اليمن والقهوة.. هل يحمل الوطن الأول للقهوة حلاً لمواجهة التغير المناخي؟

اليمن والقهوة.. هل يحمل الوطن الأول للقهوة حلاً لمواجهة التغير المناخي؟

نشرت مجلة Global Coffee Report مؤخرًا تقريرًا مثيرًا تحت عنوان: “هل يحمل اليمن حلاً مناخيًا لمستقبل القهوة؟”. تناول التقرير أهمية اليمن، الذي يُعد مهد زراعة القهوة، ودوره في تقديم حلول جديدة للتحديات المناخية التي تهدد صناعة القهوة عالميًا. في هذا التقرير، يُستعرض كيف تمكنت القهوة اليمنية من النمو والازدهار في بيئة قاسية تُعد من الأكثر جفافًا في العالم، حيث يتقلب المناخ بين حرارة شديدة نهارًا وبرودة قاسية ليلًا، فيما لا يتجاوز معدل الأمطار السنوي 200 إلى 350 ملم، مقارنة بما تحتاجه القهوة عادةً، وهو 1000 ملم.

ورغم كل ذلك، تُواصل أشجار القهوة اليمنية العطاء، مما يثير التساؤلات حول سر صمودها. في هذا السياق، يؤكد فارس الشيباني، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة “قهوة القمة”، أن اليمن لا يزال يتمتع بمكانة ريادية في عالم القهوة، ليس فقط بفضل تاريخه الطويل في زراعة القهوة، بل أيضًا لما يحمله من إمكانات جينية وزراعية قد تكون المفتاح لحل أزمة القهوة عالميًا.

يقول الشيباني: “اليمن هو أول بلد تجاري في العالم للقهوة. لقد كان المكان الذي انطلقت منه فكرة مشروب القهوة وثقافتها، وهو اليوم يمتلك الكثير ليقدمه للعالم”. ومع إدراكه لهذه الإمكانيات، أسس الشيباني شركته في عام 2016 بهدف إعادة القهوة اليمنية إلى مكانتها المستحقة في الأسواق العالمية. لكنه واجه تحديات جسيمة، من بينها ضعف البنية التحتية، حيث يمكن أن يستغرق نقل القهوة من المزارع إلى الأسواق ست ساعات لقطع مسافة لا تزيد على 100 كيلومتر. كما عانى القطاع من مشكلات تتعلق بعدم الشفافية والجودة، فضلاً عن اختلاط القهوة اليمنية بمحاصيل أخرى، مما أثر على سمعتها عالميًا.

للخروج من هذه الأزمة، أطلق الشيباني مشروعًا شاملاً لإعادة بناء سلسلة توريد القهوة من الصفر. بدأ بالعمل مباشرة مع المزارعين، حيث تم التركيز على اختيار أفضل الحبوب ومعالجتها بعناية شديدة وفق معايير عالية، مع توفير بنية تحتية تشمل مراكز للتجفيف والطحن وجمع الحبوب. كما عملت “قيما كوفي” على تعليم المزارعين تقنيات معالجة القهوة المختصة، ما ساهم في تحسين جودة المنتج وزيادة قابليته للتتبع.

وفي إطار السعي إلى مواجهة تحديات تغير المناخ، لفت التقرير إلى أهمية التنوع الجيني الذي تتمتع به القهوة اليمنية. يُشير الشيباني إلى أن اليمن يُعد أحد أكثر البيئات الزراعية تنوعًا على مستوى العالم، حيث يشكل نظامًا بيئيًا غنيًا بأصناف القهوة التي تحمل خصائص مميزة. بالتعاون مع الدكتور كريستوف مونتانيون، خبير علم الوراثة النباتية، تمكنت الشركة من اكتشاف مجموعة جينية جديدة في القهوة اليمنية تُعرف باسم “يمنيا”. هذه المجموعة تمثل إضافة علمية مهمة قد تُسهم في مواجهة الضغوط المناخية والأمراض التي تهدد محاصيل القهوة عالميًا.

لكن القصة لا تتوقف عند التنوع الجيني. فقد سلط التقرير الضوء على تقنيات الزراعة التقليدية في اليمن، التي نجحت في التأقلم مع بيئة قاسية لأكثر من 600 عام. من بين هذه التقنيات، زراعة أشجار القهوة في حفر عميقة تصل إلى متر، ما يساعد الجذور على الوصول إلى مصادر مياه مستقرة، وهي تقنية قد تُلهم المزارعين في مناطق أخرى تواجه ظروفًا مناخية صعبة.

كما تناول التقرير الدور الكبير للنساء في زراعة القهوة باليمن، حيث أظهرت الدراسات أنهن يقدمن 60 إلى 80 بالمائة من العمل في هذه السلسلة، رغم أن أدوارهن غالبًا ما تُهمل. وقد عملت “قهوة القمة” منذ عام 2019 على تمكين النساء المزارعات، مما أدى إلى تحقيق إنجازات لافتة، كان أبرزها فوز مجموعة زراعية نسائية بجائزة “أفضل قهوة يمنية” في مزاد العام الماضي.

أما على مستوى النكهات، فإن القهوة اليمنية تُعد تجربة فريدة من نوعها. تتميز بنكهاتها النبيذية والجريئة مع لمسات من الفاكهة والتوابل، وهي نكهات نادرة يصعب العثور عليها في محاصيل أخرى. يُشير الشيباني إلى أن تنوع النكهات في اليمن كبير لدرجة أن تذوق قهوة من عشر مناطق يمنية مختلفة قد يُشعر المتذوق وكأنها قادمة من عشر دول مختلفة.

في ختام التقرير، يؤكد الشيباني على ضرورة تقدير العالم لدور اليمن في الحفاظ على التراث الجيني للقهوة ودعم مجتمعاته الزراعية التي ظلت على مدى قرون تعمل بصمت لحماية هذا الإرث العظيم.

“إذا تمكنت هذه المجتمعات من الحفاظ على التنوع الجيني لأرابيكا طوال 600 عام، فإن الوقت قد حان ليُكافَؤوا على هذا العمل العظيم، وليُعترف بدور اليمن في تشكيل مستقبل القهوة عالميًا”، يقول الشيباني.

Spread the love
نشر في :