اليمن.. مستقبل القهوة المقاومة للجفاف في مواجهة تحديات المناخ
دبي، 17 سبتمبر 2025( قهوة ورلد) – القهوة في اليمن ليست مجرد محصول زراعي، بل هي جزء من الهوية الثقافية والتاريخية للبلاد. فمن هذه الأرض الجبلية القاسية انطلقت حبوب البن قبل قرون لتعبر البحار وتنتشر في كل أنحاء العالم. واليوم، بينما يواجه قطاع القهوة العالمي تهديدات غير مسبوقة بسبب تقلبات المناخ، يعود اسم اليمن ليطرح نفسه من جديد، ليس فقط كأصل القهوة، بل كمرشح رئيسي لقيادة مستقبلها من خلال إنتاج أصناف أكثر قدرة على مقاومة الجفاف.
بحسب التقرير الصادر عن مركز دبي للقهوة التابع لمركز دبي للسلع المتعددة، فإن التغيرات المناخية قد تجعل نصف الأراضي المزروعة بالقهوة في العالم غير صالحة للإنتاج بحلول عام 2050. ويُعد البن العربي (أرابيكا)، الذي يشكل ما بين 60 و70% من الإنتاج العالمي والمشهور بجودته العالية، الأكثر عرضة للخطر، إذ يتطلب مناخًا أكثر برودة مع فصول مطيرة وجافة منتظمة، ما يجعله حساسًا لأي تغيرات في درجات الحرارة أو معدلات الأمطار. أما الروبوستا، وهو أكثر تحملاً للحرارة، فقد لا يظل في مأمن هو الآخر من آثار التغيرات المناخية.
التقرير يشير إلى أن السنوات الأخيرة قدمت لمحة واضحة عن هذا المستقبل المقلق. ففي فيتنام، أدى الجفاف الطويل إلى تراجع الإنتاج بنسبة 20% والصادرات بنسبة 10% خلال موسم 2023/24. وفي البرازيل، تسبب أحد أسوأ مواسم الجفاف في تاريخ البلاد في ارتفاع أسعار أرابيكا بأكثر من 80% خلال عام 2024. هذه الأزمات لا تمثل أحداثًا عابرة، بل مؤشرات إلى واقع مناخي متغير يهدد استقرار إمدادات القهوة حول العالم.
اليمن.. خبرة تاريخية
وسط هذه التحديات، يبرز التقرير دور اليمن باعتباره حالة استثنائية. فالمزارعون هناك اعتادوا منذ قرون على إنتاج القهوة في بيئات حارة وجافة، وبكميات قليلة من المياه، ومع ذلك نجحوا في الحفاظ على استمرارية المحصول وجودته. هذه الخبرة التاريخية في التكيف مع الظروف الصعبة تجعل اليمن مؤهلًا ليكون رائدًا عالميًا في تطوير أصناف من البن أكثر قدرة على مقاومة الجفاف.
غارفيلد كير، رئيس جمعية القهوة المختصة (SCA) ومؤسس علامة “موكا 1450” في دبي، يؤكد هذه الفرضية بقوله: “أتوقع أن يصبح اليمن رائدًا عالميًا في إنتاج قهوة مقاومة للجفاف، لأنه بالفعل يزرع القهوة في ظروف أكثر حرارة وبكميات مياه أقل.”
أهمية اليمن، بحسب التقرير، لا تكمن فقط في كونه قادرًا على إنتاج قهوة متكيفة مع المناخ، بل أيضًا في الدور الذي يمكن أن يلعبه مستقبلًا في حماية الصناعة العالمية من الانهيار. فإذا تمكن اليمن من تطوير أصناف أكثر تحملاً للجفاف، فإن ذلك قد يساهم في ضمان استقرار الإمدادات وتخفيف المخاطر التي تهدد ملايين المزارعين في مناطق أخرى من العالم.
كما أن هذه الميزة الاستراتيجية تفتح أمام اليمن نافذة اقتصادية هامة. فمع توقع ارتفاع الطلب العالمي على أصناف قهوة مقاومة للجفاف، يمكن لليمن أن يتحول إلى مركز رئيسي للتجارب الزراعية والابتكار في هذا المجال، ما يمنحه دورًا أكبر على خريطة التجارة الدولية للقهوة.
التقرير يشير أيضًا إلى أن مواجهة التغيرات المناخية لا يمكن أن تكون مسؤولية المزارعين وحدهم. إذ يتطلب الأمر دعمًا من المؤسسات الدولية والمراكز التجارية لتشجيع التعاون وتبادل المعرفة وتعزيز الاستثمار في الأبحاث الزراعية. التجارب اليمنية تشكل مثالًا يمكن البناء عليه، لكن نجاحها يحتاج إلى شراكات قوية مع الأسواق العالمية لتوسيع نطاق الاستفادة من هذه الأصناف وتعميمها.
الخلاصة
ما بين التحديات العالمية المتمثلة في الجفاف والحرارة والاضطرابات المناخية، وبين الخبرة اليمنية المتجذرة في زراعة البن في أصعب البيئات، يتضح أن مستقبل القهوة قد يجد في اليمن نقطة انطلاق جديدة. فالتقرير الصادر عن مركز دبي للقهوة لا يعيد التذكير بتاريخ اليمن مع القهوة فحسب، بل يضعه في قلب المعركة العالمية لإنقاذ هذا القطاع من التدهور.
وفي وقت تتسارع فيه المخاطر، يقدم اليمن رسالة أمل: أن القهوة يمكن أن تبقى، وأن التاريخ قد يصبح بوابة إلى المستقبل، إذا ما تم الاستثمار في المعرفة والخبرة والإرادة.