Site icon عالم القهوة

المقاهي اليمنية تعيد تعريف ثقافة القهوة في الولايات المتحدة

A cup of cappuccino with a camel design in the milk foam, served on a wooden tray alongside coffee beans, ground coffee, a cookie, and a ceramic pot — representing a Middle Eastern or Yemeni coffee setting.

2  أغسطس 2025 –( قهوة ورلد) – في الوقت الذي تحاول فيه سلاسل القهوة الكبرى مثل “ستاربكس” استعادة صورتها كمكان اجتماعي يجمع الناس خارج المنزل والعمل، تتقدم حركة جديدة وهادئة في مدن أميركية مختلفة، تتجسد في المقاهي اليمنية، التي تقدم أكثر من مجرد قهوة… إنها تقدم الدفء، والضيافة، والانتماء.

تحوّل ثقافي يتجاوز فكرة الطلب السريع

شهدت سوق القهوة في الولايات المتحدة خلال العقد الأخير تحولًا ملحوظًا نحو الأتمتة والراحة، حيث أصبحت الطلبات الرقمية والاستلام من دون تفاعل بشري سمة أساسية. شركات مثل “ستاربكس” عززت هذا الاتجاه من خلال الاستثمار في التطبيقات، ونقاط الاستلام، والتوسع في خدمات السيارات.

لكن هذا التوجه خلق فراغًا اجتماعيًا واضحًا، أضعف فكرة “المكان الثالث” التي تشير إلى الفضاء الاجتماعي بين المنزل والعمل. وهنا ظهرت المقاهي اليمنية لتعيد لهذا المفهوم روحه الحقيقية، عبر تقديم تجربة قائمة على الحوار، والضيافة، والهوية الثقافية.

من ديربورن إلى بقية الولايات.. صعود المقاهي اليمنية

في قلب هذه الحركة تقع مدينة ديربورن بولاية ميشيغان، والتي تُعد موطنًا لجالية عربية كبيرة. من هنا انطلقت علامات مقاهٍ يمنية رائدة مثل “قهوة هاوس” و**”هراز كوفي هاوس” و”قمرية كوفي”**، والتي سرعان ما توسعت إلى ولايات أخرى مثل كاليفورنيا وتكساس.

تتميز هذه المقاهي بتصاميم مستوحاة من العمارة اليمنية، ومشروبات تحتوي على توابل تقليدية مثل الهيل والزنجبيل، وقوائم حلوى مزخرفة، وأجواء تشجع على الجلوس والتفاعل. الأهم من ذلك، أنها تفتح أبوابها حتى وقت متأخر من الليل، وتوفر بيئة خالية من الكحول، مناسبة للعائلات، والشباب، والمسلمين، وكل من يبحث عن بديل هادئ للحانات الصاخبة.

تراث في كل فنجان

ترتبط اليمن بتاريخ القهوة ارتباطًا وثيقًا؛ فهي أول بلد صدّر البن تجاريًا في القرن الـ15 عبر ميناء “المخا”، الذي أصبح اسمًا عالميًا. وعلى الرغم من هذا الإرث، فإن اليمن اليوم يُنتج أقل من 0.1% من القهوة عالميًا.

ووفقًا لدراسة صدرت في عام 2023، فإن الحرب، والانهيار الاقتصادي، والتغيرات المناخية، ساهمت في تراجع إنتاج القهوة في اليمن. ومع ذلك، هناك مبادرات بارزة تعمل على إحياء القطاع، مثل “ميناء المخا” بقيادة مختار الخنشلي، و**”قيمة كوفي”** في لندن، بالإضافة إلى تعاونيات محلية تسعى لدعم المزارعين وتمكينهم.

وفي الولايات المتحدة، تعمل مقاهي مثل “أروى كوفي” على استيراد البن اليمني بشكل مباشر. وتقول المؤسِّسة سوزان شهاب:

“كل مشروب نقدمه هنا هو انعكاس لليمن، ونحن لا ندعم ثقافتنا فقط، بل نساهم أيضًا في دعم المزارعين هناك.”

أكثر من عمل تجاري.. إنه إحياء لمفهوم المكان الثالث

لا تكمن جاذبية هذه المقاهي في مشروباتها فقط، بل في الأجواء التي تخلقها. فهي أماكن تدعو الزبائن للبقاء والتفاعل، وليس مجرد الشراء والانصراف. يقول عمر جهمي، الشريك المؤسس لمقهى “ديلاه كوفي” في كاليفورنيا:

“نحن لا نقدم قهوة سريعة. كل شيء مصنوع يدويًا، ونحن نفضّل البطء إن كان ذلك يعني تقديم جودة وإنسانية أعلى.”

هذا الانتماء لفكرة “المكان الثالث” – كما صاغها عالم الاجتماع راي أولدنبرغ – يعكس رؤية المقاهي اليمنية لمساحة عامة يشعر فيها الجميع بالترحيب، بغض النظر عن الخلفية أو الدين أو العُمر.

وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن “ستاربكس” ابتعدت عن هذا المفهوم تدريجيًا، من خلال سياسات تقيد استخدام الحمامات للعملاء فقط، ورفض دعم النقابات العمالية، والتركيز على سرعة الخدمة.

تحديات قائمة ونمو متواصل

رغم النجاح المتصاعد، تواجه هذه المقاهي تحديات عديدة. من أبرزها ارتفاع تكلفة البن اليمني وصعوبة استيراده، إلى جانب التحديات الاجتماعية التي يواجهها بعض روّاد الأعمال اليمنيين في ظل الإسلاموفوبيا، والصراعات في اليمن، وموجات التهجير.

ومع ذلك، نجحت هذه المقاهي في بناء قاعدة جماهيرية متنوعة، تشمل العرب، والأميركيين، والمهاجرين من خلفيات مختلفة، وطلاب الجامعات، والعائلات.

تقول شهاب:

“نحن نحترم زبائننا الذين يأتون لأخذ قهوتهم في طريقهم إلى العمل، لكننا نأمل أيضًا أن يبقى الناس للحديث والتواصل. فهكذا بدأت القهوة – من أجل الحوار، لا من أجل السرعة.”

مستقبل المقاهي الأميركية؟

تشير هذه الظاهرة إلى تحوّل أعمق في السوق الأميركية، حيث يبحث الناس عن الأصالة، والانتماء، والتجربة الحقيقية في أماكن القهوة. في الوقت الذي تحاول فيه الشركات الكبرى اللحاق بالركب عبر شعارات عن “الإنسانية” و”الاتصال”، تقدّم المقاهي اليمنية هذه القيم من دون ادعاء – ببساطة لأنها جزء من روحها.

Spread the love
Exit mobile version