Serving Buna Qalaa.

مجلة الباريستا تكشف عن طقس قهوة إثيوبي فريد.. “بونا قَلا”

دبي – قهوة ورلد

نشرت مجلة الباريستا تحقيقًا صحافيًا مطولًا عن طقس إثيوبي فريد وغير معروف لمن هم خارج مهد القهوة. هذا الطقس يُعرف باسم “بونا قَلا”، حيث لا يشرب الناس فيه القهوة، بل يأكلونها. أما كاتب التحقيق فهو الزميل تيوادروس بالشا، مؤسس منصة بونا كورس الإثيوبية.

ومع احترامنا الكامل لحقوق مجلة الباريستا، ونظرًا لأهمية هذا التحقيق في تسليط الضوء على واحد من أهم طقوس القهوة، وتعزيزًا لثقافة هذا المشروب عالميًا، فقد قررنا في قهوة ورلد إعادة نشره وترجمته إلى العربية والروسية، بما يتوافق مع سياسة النشر لدينا، مع خالص تقديرنا للزميل تيوادروس بالشا على موافقته الكريمة.

والآن نترككم مع هذا التحقيق الصحافي المميز:

في جنوب غرب إثيوبيا، لا تبدأ القهوة بالبخار، بل بالصوت. فحين تذوب الزبدة فوق حبوب البن، تنبعث رائحة مدخنة بنكهة الجوز، إيذانًا ببدء طقس فريد لا يُشرب فيه البن بل يُؤكل.

بين قبائل غوجي في إقليم أوروميا، يُعدّ تقليد بونا قَلا (Buna Qalaa) واحدًا من أقدم الطقوس التي حوّلت القهوة من مشروب إلى وجبة غذائية متكاملة. تُطهى الحبوب الكاملة في الزبدة والحليب، وتُؤكل في طقس يجمع بين الغذاء والروح، بين المذاق والانتماء.

يقول نيغا ويداجو، نائب مفوض هيئة السياحة في أوروميا: “تعني كلمة بونا قَلا حرفيًا ‘القهوة المذبوحة’. وهي وجبة طقسية تُقدَّم في المناسبات والبركات والتجمعات الرسمية، وتمثل رمزًا للخصوبة والصحة والترابط الاجتماعي.”

ويضيف: “مثل هذه التقاليد كنوز حقيقية، فهي تُبقي المجتمعات في قلب القصة وتُظهر للعالم أن القهوة ليست مجرد مشروب، بل أسلوب حياة.”

فن إعداد بونا قَلا

يصف نيغاتو إلياس دوكيلي، رئيس مركز جودة القهوة والشهادات في فرع بوله هورا التابع لهيئة القهوة والشاي الإثيوبية، إعداد بونا قَلا بأنه مزيج من الدقة والشعر، طقس من الصبر والرائحة والصوت.

تُقطف حبوب القهوة الناضجة يدويًا وتُجفف في الشمس وهي ما تزال داخل قشرتها. وقبل الطهي، يُقطع طرف كل حبة قليلًا – وغالبًا بالأسنان – لتسمح للزبدة بالتغلغل داخلها.

يُسخَّن إناء من الفخار يُعرف باسم كيلو حتى يبدأ الدخان الخفيف بالتصاعد. تُذاب الزبدة أولًا، ثم تُضاف الحبوب وتُحرَّك بلطف حتى تصل إلى درجة تحميص خفيفة دون أن تحترق. بعدها تُنقل الحبوب إلى وعاء خشبي يُدعى كوري، ويُغلى الحليب في الإناء نفسه ثم يُسكب فوق الحبوب لتُغلف بالزبدة والحليب معًا، وأخيرًا تُقدَّم في كوب يُعرف باسم مودونو.

يقول نيغاتو: “تتغلغل الزبدة في الحبوب وتغنيها بالنكهة. تمضغها ببطء، وتبقى في فمك مثل العلكة لساعات. تمنحك شعورًا بالشبع والطاقة الدائمة، بل يقال إنها تساعد أيضًا على تنظيف الأسنان.”

قهوة لكل مراحل الحياة

ترافق بونا قَلا الإنسان في معظم لحظات حياته — من الولادة والتسمية إلى الزواج والمصالحة وحتى نهاية الحداد. وفي نظام غادا التقليدي لقبائل بورانا، يقدمها الشيوخ كتعبير عن الاحترام والاستمرارية.

ولا تقتصر أهميتها على التغذية فحسب، بل تُعتبر رمزًا للحيوية والتحمل والوئام الاجتماعي. إذ تعبق رائحتها في أرجاء المنازل لتستدعي الذكريات وتربط بين الأجيال.

من التراث إلى السياحة

بينما تسعى إثيوبيا للحصول على اعتراف من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لطقوسها التقليدية في إعداد القهوة، بدأت مظاهر محلية مثل بونا قَلا تكتسب شهرة عالمية من خلال مبادرات مثل جولة القهوة – Visit Oromia Tour de Coffee والتعاون الرقمي مع Google Arts & Culture.

يقول نيغا ويداجو: “الزوار الذين يختبرون بونا قَلا يصفون التجربة بأنها بطيئة، حسية، ولا تُنسى.”

ويؤكد أن تطوير السياحة حول هذا التقليد يجب أن يكون بقيادة المجتمع المحلي: “هذا ليس عرضًا سياحيًا، بل ثقافة حية. نريد أن يتعلم الزوار مباشرة من حراس التراث الحقيقيين، وأن تعود الفائدة إليهم.”

التقاليد تلتقي مع القهوة المختصة

يرى نيغاتو إلياس دوكيلي أن بونا قَلا تمثل التقاء التراث بعالم القهوة المختصة، وتُظهر أن الابتكار يمكن أن ينبع من الحفاظ على الجذور.

“يتحدث عالم القهوة المختصة كثيرًا عن التربة والمصدر، لكن بونا قَلا تضيف بُعدًا إنسانيًا جديدًا — ‘التربة البشرية’. فعندما تأكل القهوة بدلًا من شربها، تتذوق الأرض والزبدة والأيدي التي أعدتها. إنها تجربة حقيقية للاتصال بالمكان.”

ويضيف: “نقضي وقتًا طويلًا في تحسين النكهة في الكوب، لكن هنا النكهة مرتبطة بالطاقة والمجتمع والرعاية. ربما على المقاهي الحديثة أن تتعلم من ذلك — فبعض الابتكارات الحقيقية تبدأ بالعودة إلى الأصل.”

رسالة عالمية

في زمن تُقاس فيه جودة القهوة بالدقة والعرض، تقدم بونا قَلا درسًا أعمق — أن جوهر القهوة الحقيقي لا يكمن في استخلاصها، بل في مشاركتها.

فإيقاعها البطيء وطقوسها البسيطة يتماشيان مع مفاهيم الوعي والاستدامة والأصالة، مذكرين بأن ثراء القهوة لا يقتصر على الحواس، بل يمتد إلى الروابط الإنسانية.

يقول نيغا ويداجو: “في كل قضمة من بونا قَلا تكمن حقيقة صامتة: القهوة بدأت كوسيلة للتواصل، لا للمنافسة. وفي عالم يلهث وراء الجديد، تهمس هذه الطقوس بحكمة خالدة — أحيانًا يكون مستقبل القهوة في أقدم أشكالها: مأكولة لا مشروبة، ومشتركة لا مباعة.”

Spread the love
نشر في :
WhatsApp Icon