
صناعة القهوة تدعم الاقتصاد المحلي في بوير بمقاطعة يونان الصينية
بوير – يونان – قهوة ورلد
تواصل مدينة بوير في مقاطعة يونان بجنوب غرب الصين ترسيخ مكانتها كعاصمة القهوة الصينية، إذ تجمع بين الإنتاج الزراعي المتنامي والسياحة الثقافية لتقديم نموذج اقتصادي يعزز التنمية الريفية ويرفع مستويات الدخل للسكان المحليين. فالمكانة التي حققتها القهوة هنا لم تأتِ من فراغ، بل كانت ثمرة عقود من التطوير الزراعي وتكامل الجهود بين المزارعين والسلطات المحلية والمستثمرين.
تعود بدايات زراعة القهوة في يونان إلى أواخر القرن التاسع عشر عندما جلبها مبشّرون أوروبيون إلى المنطقة، غير أن الزراعة التجارية لم تبدأ بشكل منظم إلا في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. ومنذ ذلك الوقت، تحولت بوير إلى مركز رئيسي لإنتاج البن في الصين، مستفيدة من طبيعتها الجغرافية ومناخها الجبلي المعتدل. اليوم تُسهم المقاطعة بنحو 98 بالمئة من إجمالي إنتاج القهوة في البلاد، فيما تنتج بوير وحدها حوالي 60 بالمئة من هذا الإجمالي، لتصبح اسمًا مرادفًا للقهوة الصينية. ووفق البيانات الرسمية، تجاوزت مساحة مزارع القهوة في بوير 45 ألف هكتار، وبلغ الإنتاج السنوي أكثر من 51 ألف طن من الحبوب الخضراء بقيمة اقتصادية وصلت إلى 6.3 مليار يوان، ما يجعل القهوة إحدى الدعائم الأساسية لاقتصاد المدينة.
لكن القصة لا تتوقف عند حدود الإنتاج الزراعي. فقد أدركت بوير أن قيمة القهوة لا تكمن في زراعتها فقط، بل في قدرتها على خلق تجربة متكاملة للزوار. وهكذا وُلدت سياحة القهوة التي جعلت من القرى الزراعية وجهات تستقطب السياح من مختلف أنحاء الصين والعالم. ففي قرية نانداهو التابعة لسيماو، يمكن للزائر أن يتذوق القهوة الطازجة مباشرة بعد تحميصها، ويشاهد بنفسه عملية التحضير من الحبوب إلى الكوب، بينما يروي المزارعون قصصهم وتجاربهم مع الزراعة. وحتى خط سكة الحديد بين الصين ولاوس أصبح جزءًا من هذه التجربة، إذ يُقدَّم للركاب على متن القطار فنجان من القهوة المحلية ليكون امتدادًا للهوية الزراعية والثقافية للمنطقة.
هذا التوجه لم يعزز مكانة بوير فحسب، بل رفع أيضًا من القيمة المضافة للقهوة المنتجة. ففي غضون ثلاث سنوات فقط، ارتفعت نسبة القيمة المضافة من أقل من 8 بالمئة إلى أكثر من 33 بالمئة، بفضل توسع المعالجة المحلية وتطوير منتجات ذات طابع خاص مثل القهوة المختصة والعضوية. هذه الأنواع عالية الجودة وجدت طريقها إلى أسواق عالمية بأسعار أفضل بكثير من القهوة التجارية، مما انعكس بشكل مباشر على دخل المزارعين المحليين.
مع ذلك، تواجه صناعة القهوة تحديات كبيرة مرتبطة بالبيئة والمناخ. انخفاض درجات الحرارة ليلًا، والجفاف المتكرر، والتغيرات المناخية العالمية تؤثر على جودة الغلة وكميتها. وقد أظهرت دراسات حديثة أن ارتفاع المناطق الجبلية يساهم في تحسين النكهات والخصائص العطرية، لكنه في الوقت نفسه يزيد من حساسية النبات للتقلبات المناخية. لذلك، يسعى المزارعون بالتعاون مع الخبراء إلى تطوير ممارسات زراعية أكثر استدامة، واختيار سلالات مقاومة، والاعتماد على تقنيات حديثة في إدارة التربة والري للحفاظ على الاستقرار الإنتاجي.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي لصناعة القهوة في بوير ملموس على نطاق واسع. فالمزارعون الذين كانوا يواجهون صعوبات في تأمين دخل ثابت وجدوا في القهوة فرصة لتحسين مستوى معيشتهم. التعاونيات الزراعية وفرت لهم التدريب والدعم الفني وفتحت قنوات جديدة للتسويق، بينما أوجدت سلسلة القيمة الممتدة من الزراعة إلى التحميص والتسويق وظائف جديدة للشباب في القرى. كما ساعدت المقاهي المحلية والمتاجر السياحية على خلق حراك اقتصادي يعزز بقاء السكان في مناطقهم الريفية بدلاً من الهجرة إلى المدن الكبرى.
وتنظر بوير إلى المستقبل بثقة، فهي لا تسعى إلى منافسة الدول الكبرى المنتجة للقهوة مثل البرازيل أو فيتنام من حيث الكميات، بل تركز على الجودة والتميّز. هذا التوجه ينسجم مع الاتجاهات العالمية التي تزداد فيها أهمية القهوة المختصة وتجربة المستهلك. ومع استمرار الاستثمار في السياحة الزراعية والتسويق الدولي، تبدو بوير في موقع يؤهلها لتصبح لاعبًا بارزًا على الساحة العالمية، ليس فقط كمصدر للقهوة، بل كنموذج للتنمية المستدامة التي تجمع بين الزراعة والثقافة والاقتصاد الأخضر.
بهذا المعنى، أصبحت القهوة أكثر من مجرد محصول زراعي في بوير؛ إنها قصة نجاح متكاملة تُظهر كيف يمكن لمنتج محلي أن يتحول إلى رافعة للتنمية الشاملة، ومصدر فخر لسكانه، وجسر يربط بين الصين وبقية العالم.