من لاتيه سكر النخيل إلى علامة بمليار دولار: كيف تعيد “كوبي كينانجان” تعريف القهوة في جنوب شرق آسيا

من لاتيه سكر النخيل إلى علامة بمليار دولار: كيف تعيد “كوبي كينانجان” تعريف القهوة في جنوب شرق آسيا

في أحد أركان جاكرتا الصاخبة عام 2017، وقف صديقان أمام كشك صغير وفكرة كبيرة. قال إدوارد تيرتاناتا لصديقه جيمس برانانتو: “بدلاً من الاستثمار في الموقع، دعنا نستثمر في جودة المنتج”. بهذه العبارة البسيطة، وُلدت فكرة “كوبي كينانجان” — وتعني بالإندونيسية “ذكريات القهوة” — وانطلقت رحلة غيرت مشهد القهوة في المنطقة.

ما بدأ بكشك متواضع ورأس مال لا يتجاوز 15 ألف دولار، تحول في أقل من عقد إلى إمبراطورية قهوة تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، تُعتبر اليوم إحدى أكثر القصص الإندونيسية إلهامًا في ريادة الأعمال.

من الفشل إلى النجاح الخاطف

كان إدوارد قد خاض تجربة تجارية سابقة في مجال الشاي، لكن مشروع “لويس آند كارول” لم يحقق النجاح المرجو. إلا أن التجربة لم تذهب سدى. فقد أدرك مبكرًا أن النجاح لا يتطلب الموقع الفخم بل المنتج المناسب في الوقت المناسب وبالسعر المناسب.

في سوق تهيمن عليه علامات عالمية مثل “ستاربكس”، والتي يصل سعر كوب القهوة فيها إلى نحو 30% من متوسط الدخل اليومي للفرد، رأى تيرتاناتا فرصة لا تُفوّت: قهوة عالية الجودة، بطابع محلي وسعر معقول.

نموذج ذكي بنكهة محلية

استندت “كوبي كينانجان” إلى ثلاث ركائز رئيسية:

نموذج “اطلب وامضِ” (Grab-and-Go): يخاطب أنماط الحياة السريعة لجيل الألفية وجيل Z.

الاعتماد على التكنولوجيا: الطلب عبر التطبيق، الدفع بدون نقود، وبرامج الولاء الذكية.

نكهات محلية مبتكرة: مثل “لاتيه سكر النخيل” و”قهوة بالأفوكادو” التي تمزج بين الأصالة والحداثة.

نجحت العلامة التجارية في تقديم مشروبات مميزة بأسعار تقل كثيرًا عن المنافسين. إذ يُباع كوب القهوة الأكثر شهرة لديها بـ22 ألف روبية (نحو 1.40 دولار)، أي نصف سعر كوب مماثل في المقاهي العالمية.

توسع محلي سريع وتمويل ضخم

بحلول عام 2023، تجاوز عدد فروع “كوبي كينانجان” 800 فرع في إندونيسيا، وقفز إلى أكثر من 1000 فرع في 60 مدينة بحلول 2024.

وفي عام 2021، حصلت الشركة على لقب “يونيكورن” بعد جولة تمويل من السلسلة C بقيمة 239 مليون دولار، قادتها شركات كبرى مثل Sequoia Capital India وAlpha JWC Ventures. وقدّر تقييم الشركة حينها بأكثر من مليار دولار.

تبيع العلامة أكثر من 6 ملايين كوب قهوة شهريًا، وبلغت إيراداتها في عام 2024 نحو 140 مليون دولار، بزيادة 23% عن العام السابق. ومن المتوقع أن تصل الإيرادات إلى 430 مليون دولار بحلول عام 2028.

من جاكرتا إلى آسيا

لم تتوقف طموحات “كوبي كينانجان” عند حدود إندونيسيا. فقد افتتحت فروعًا في ماليزيا وسنغافورة والفلبين، وتخطط للتوسع إلى تايلاند أيضًا. لكن ما يميزها هو الحفاظ على الطابع المحلي لكل سوق، حيث تختلف النكهات ودرجة التحلية بحسب أذواق المستهلكين في كل بلد.

وقبل دخول أي سوق جديدة، تجري الشركة دراسات دقيقة حول تفضيلات المستهلكين من حيث الحلاوة والتركيبة والطعم.

التكنولوجيا والتسويق والاستدامة

نجحت الشركة في ترسيخ حضورها عبر استراتيجية تسويقية ذكية. تصميمات فروعها أنيقة وبسيطة و”صديقة لإنستغرام”، وتعتمد على الحملات الفيروسية والتعاون مع المؤثرين.

كما تولي اهتمامًا بالاستدامة، من خلال تقليل استخدام البلاستيك، والتحول إلى عبوات قابلة لإعادة التدوير، والاعتماد على مكونات محلية لدعم الاقتصاد الوطني.

تحديات المنافسة وطموحات الاكتتاب

في ظل تنافس محلي ودولي من علامات مثل ستاربكس و%Arabica وFore Coffee، تبقى “كوبي كينانجان” قادرة على الحفاظ على مكانتها بفضل فهمها العميق لثقافة القهوة الإندونيسية وشغفها بتقديم قيمة حقيقية للمستهلك.

ورغم شائعات حول نية الشركة دخول البورصة عبر اكتتاب عام، لم تؤكد الإدارة ذلك بعد. لكن الهدف واضح: الوصول إلى 3000 فرع بحلول عام 2028، والتحول إلى علامة القهوة الأولى في جنوب شرق آسيا.

دروس في الريادة

تقدم قصة إدوارد تيرتاناتا درسًا ثمينًا لكل رائد أعمال: الفشل ليس نهاية الطريق، بل نقطة انطلاق. كما تثبت أن السوق مهما كانت مشبعة، تبقى هناك دائمًا مساحة للإبداع وسدّ الفجوات.

يقول إدوارد: “إذا قدمت كوب قهوة أفضل بسعر أذكى، سيعود الناس إليك — وهناك تبدأ الذكريات”.

من رصيف جاكرتا إلى ساحات آسيا، لم تعد “كوبي كينانجان” مجرد علامة تجارية، بل أصبحت حركة تقود ثورة القهوة القادمة.

Spread the love
نشر في :