Davide Cobelli

من بطل التحميص إلى مدرّب عالمي: رحلة دافيدي كوبيللي «مقيّم جودة القهوة المطوَّر» في القهوة المختصة

دبي – علي الزكري

في عالم القهوة المختصة، لم يحقق مرتبة مدرّس «مقيّم جودة القهوة المطوَّر» سوى عدد قليل حتى الآن. ومن المؤكد أنه خلال الأسابيع المقبلة سيزداد هذا العدد، لكن دافيدي كوبيللي، خبير القهوة والمستشار وبطل إيطاليا في التحميص لعام 2020، هو أول أوروبي يحصل على هذا اللقب. من منصات البطولات إلى مزارع بلدان المنشأ، ومن قيادة جمعية القهوة المختصة في إيطاليا إلى الفوز ببطولة التحميص الإيطالية، تتجسد قصته في شغف لا ينضب وإصرار متواصل على رفع معايير التعليم والتقييم في القهوة.

أعلنتَ مؤخرًا أنك أصبحت واحدًا من قلة قليلة حول العالم أكملوا برنامج مدرّس «مقيّم جودة القهوة المطوَّر» — وبعلامة كاملة 100%. ما مدى صعوبة هذه العملية بالنسبة لك؟ وماذا يعني لك هذا الإنجاز على الصعيدين الشخصي والمهني؟

هو واحد من أوائل المدربين الذين اجتازوا اختبار «مقيّم جودة القهوة المطوَّر». في ذلك الوقت، كان هناك على الأرجح فقط 3 أو 4 أشخاص في العالم قد اجتازوه. أما اليوم، فقد أصبح عدد الناجحين أكثر بكثير. تحقيق هذا الإنجاز كان مجزيًا للغاية، خصوصًا بالنظر إلى الاستثمار الكبير من الوقت والطاقة الذي تطلّبه. المعايير للمدربين عالية جدًا؛ فلا مجال للخطأ إطلاقًا، ويجب الحصول على علامة كاملة 100% في امتحان من 50 سؤالًا يغطي الدورة بأكملها. وهذا ما يجعل الترخيص صعبًا للغاية، لكنه في الوقت نفسه مناسب تمامًا. ومن خلال هذه العملية الصارمة، أوضحت جمعية القهوة المختصة أن الدورة الجديدة ليست أدنى من برامج «معهد جودة القهوة» السابقة، خاصة فيما يتعلق بجودة المدربين.

بدأتَ في صناعة الأغذية قبل أن تكرّس نفسك بالكامل للقهوة. ما نقطة التحول التي جعلتك تختار هذا المسار؟ وكيف شكّلت تلك التجارب المبكرة شخصيتك المهنية اليوم؟

بدأتُ مسيرتي في قطاع الضيافة قبل أكثر من 30 عامًا، لكن منذ ما يقرب من 15 عامًا كرّستُ نفسي بالكامل لعالم القهوة. في الجزء الأول من مسيرتي، كان تركيزي منصبًّا على المشروب ذاته. ثم، وعلى مدار أكثر من سبع سنوات، توسعتُ لأشمل سلسلة التوريد كاملة، وهو ما أصبح جزءًا أساسيًا من رحلتي المهنية؛ حيث فتحتُ محمصة وسافرتُ إلى بلدان المنشأ لتقديم التدريب الحسي. لا أعرف بالضبط كيف حدث الانتقال إلى القهوة — فالشغف غالبًا يولد وينمو دون سبب محدد. لكنني كل يوم أستيقظ سعيدًا وممتنًا لأنني أمارس أفضل عمل في العالم: العمل الذي أحبّه.

درّبتَ مئات المحترفين في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه بنيتَ سمعة قوية كمستشار. كيف تدير هذين الدورين — كمدرّس ومستشار — من دون أن ينعكس ذلك على جودة أيٍّ منهما؟

خلال 15 عامًا من التدريب في عالم القهوة، أعتقد أنني درّبتُ أكثر من ألف محترف. وفي كل مرة كان هذا دافعي للاستمرار. هدفي كان دائمًا أن أشارك خبرتي مع الطلاب، وأن أتعلّم منهم أيضًا، وأن أخلق تبادلًا حقيقيًا — وهو الهدف الذي ما زلت أعمل من أجله اليوم. التدريب ليس من طرف واحد، بل هو تبادل مهني حقيقي. عندما يقودك شغفٌ حقيقي، يمكنك أن تفعل أي شيء. بالنسبة لي، القهوة هي الشغف الخالص والتفاني الصادق.

قليلون هم الذين يغطّون مجالات عديدة كما تفعل أنت — الباريستا، والتخمير، والقهوة الخضراء، والتحليل الحسي، والتحميص. كيف بنيت هذه الخبرة الواسعة؟ وما الفوائد التي تقدمها لطلابك؟

هناك مثل يقول: «من يعرف كل شيء لا يتقن شيئًا»، وأنا أتفق جزئيًا مع ذلك. في حالتي، بدأتُ رحلتي بتكريس النصف الأول لعالم الباريستا والمشروب — أولًا بالمنافسة، ثم لاحقًا كحكم دولي في بطولات الباريستا. ومن هناك توسعتُ لأشمل التحليل الحسي، والتحميص، وسلسلة التوريد. ليس من المستحيل أن تتقن مجالات متعددة، لكنني لا أرى نفسي بطلًا خارقًا حقق ذلك بطريقة استثنائية. أنا فقط أؤمن بأن الشغف الحقيقي (وليس الدافع التجاري) يمكن أن يقودك إلى النجاح. كما قلت سابقًا، أنا مكرّس للقهوة. إنها شغفٌ يستهلك حياتي؛ وباستثناء السفر، لا شغف لي آخر. أعتقد أن ميزة طلابي هي أن خبرتي الواسعة تسمح لنا باستكشاف موضوعات متعددة بشكل شمولي، داخل الصف وخارجه. ففي سلسلة التوريد مثل القهوة، كل عنصر يتقاطع مع الآخر ويؤثر فيه. علاوة على ذلك، لستُ من المدربين الذين يلتزمون بالنص الحرفي للدورات من دون فتح المجال للنقاش. أشجّع دائمًا على طرح الأسئلة — وفي الواقع أحبّها.

الفوز ببطولة التحميص الإيطالية عام 2020 كان محطة مهمة، ثم حققتَ مراكز متقدمة لاحقًا على مستوى العالم. ماذا علّمتك تلك المنافسات عن القهوة — وعن نفسك؟

في عام 2020، وبعد عامين فقط من دخولي عالم التحميص، فزتُ ببطولة التحميص الإيطالية. كان ذلك شعورًا لا يصدَّق! كنتُ أول من لم يصدّق الأمر، خاصةً أنني ذهبتُ فقط على أمل ألّا أكون في المركز الأخير وأن أكتسب بعض الخبرة. لكن بعد أن حققتُ المركز السابع في بطولة العالم عام 2022، والمركز الثاني في البطولة الوطنية عام 2023، بدأتُ أعتقد أنني ربما لستُ سيئًا تمامًا في هذا المجال. والأهم من ذلك أنه أسكتَ المنتقدين والحاسدين — وهم كثيرون دائمًا في عالم القهوة. وهذا ضاعف من شعور الرضا.

بصفتك حكمًا وطنيًا ودوليًا، شاهدتَ أفضل الباريستا والمحمّصين على المنصات. ما الذي تبحث عنه في البطل؟ وما الذي يميّز المنافس الجيد عن المنافس العظيم؟

أن تكون حكمًا هو مسؤولية — على الأقل هذا ما أراه دائمًا. من الرائع أن أكون قادرًا على دعم بنية الصناعة، وغالبًا الجيل القادم من المحترفين. لكن هذا ليس كل شيء. في السنوات الأخيرة، دُعيتُ أكثر فأكثر للمشاركة كحَكَم حسي في لجان التذوق الخاصة بالمزارعين، مباشرةً في بلدان المنشأ. وهذا أصبح محور اهتمامي منذ جائحة كوفيد. إنها مسؤولية من نوع آخر، لأنك تشعر أن حكمك قد يؤثر على مستقبل عائلاتٍ زراعية. هذه المسؤولية تثقل كاهلي، وتجعلني أبذل أقصى درجات المهنية والدقة في التقييمات.

عندما انتُخبتَ منسّقًا وطنيًا لجمعية القهوة المختصة في إيطاليا، تحدّثتَ عن إخراج القهوة المختصة من إطارها الضيّق. ما الخطوات التي اتخذتَها نحو هذا الهدف؟ وما التحديات الباقية لجعل القهوة المختصة أكثر قربًا من المستهلك اليومي؟

في دوري كمنسّق وطني بين عامَي 2022 و2024، عملتُ على توسيع سوق القهوة المختصة خارج الدائرة الضيّقة التي احتلتْها في إيطاليا خلال السنوات الأخيرة. كان النمو شبه متوقف، لأن القهوة المختصة باتت تُرى بشكل متزايد على أنها مجرد منتج باهظ وحامض، بدلًا من كونها قيمةً لسلسلة التوريد بأكملها. مع فريق التنسيق لتلك الفترة، طبّقنا استراتيجيات تواصل تأخذ المنتج إلى ما بعد دائرة «هواة القهوة»، وهدفُنا كان جعْل القهوة المختصة في متناول جمهورٍ أوسع باستخدام لغةٍ أبسط، وتسليط الضوء على أهمية سلسلة توريدٍ مستدامة.

قدّمت جمعية القهوة المختصة مؤخرًا «نظام تقييم القيمة» في القهوة، وانضمّ إليه أيضًا «معهد جودة القهوة». يرى البعض ذلك خطوةً رائدة، فيما يخشى آخرون من حدوث لبس أو تضارب مع بروتوكولات قائمة مثل شهادات «معهد جودة القهوة». كيف ترى هذا النظام يُشكّل مستقبل تقييم القهوة؟ وما أثره على المزارعين والمنتجين والصناعة ككل؟

عندما قُدّم «نظام تقييم القيمة» عام 2022، لم يراهن كثيرون على نجاحه. كان هناك قدرٌ كبير من الشكوك، خصوصًا لدى المحترفين الذين نشأوا مع «استمارة التذوق لعام 2004» الخاصة بجمعية القهوة المختصة (والتي استخدمها لاحقًا معهد جودة القهوة). وشمل ذلك أولئك الذين استثمروا الكثير من المال والطاقة ليصبحوا «مقيّمي جودة» أو «مدرّسي تقييم». لا ألومهم، لكن من الواضح أن هذا النظام الجديد هو النهج العصري للعلم الحسي، بينما النظام السابق لم يعد كذلك. واليوم، لا توجد منافسة بين جمعية القهوة المختصة ومعهد جودة القهوة، إذ يركّز المعهد على بلدان المنشأ والعمل الميداني، بينما تركز الجمعية على التحليل الحسي، بما في ذلك دورة «مقيّم جودة القهوة المطوَّر». وربما لم تكن هناك منافسة أصلًا؛ فمن الصعب مقارنة نظامٍ قديم لم يُحدّث منذ أكثر من عشرين عامًا بنهجٍ حديث قائم على أسس علمية. أما الثورة الحقيقية والفورية فهي أن قيمة القهوة عبر السلسلة لم تعد تُختزل في درجة واحدة ذاتية، بل باتت تُوزَّع عبر عدة سمات تحدد القيمة النهائية. الأثر مباشر: لم يعد المزارعون مضطرين لقبول درجة جافة وغير مفسرة؛ بل أصبح بإمكانهم مناقشة القيمة استنادًا إلى سمات متعددة تبررها.

تغيّرت القهوة المختصة جذريًا خلال العقد الأخير. أين ترى الفرص الكبرى للنمو والابتكار في قطاع القهوة الأوروبي؟

لقد خضع عالم القهوة لتحولاتٍ جذرية. استهلاك القهوة المختصة تطوّر ويستمر في النمو عامًا بعد عام عبر جميع الأسواق، مع ازدياد وعي المستهلكين بما يشترونه ويستهلكونه. مفتاحُ المستقبل بلا شك هو المعلومات المرتبطة بالمنتَج، وتحديدًا المزاوجة بين القيمة الخارجية والبروفايل الحسي. بالنظر إلى الأمام، أرى مستقبلًا يقوم على قدرٍ أكبر من الشفافية، مع التركيز على مقاييس مثل «سعر المزرعة» للمنتج النهائي، وليس مجرد درجة تذوّق. وأعتقد أن الفرص ستستمر في النمو للمحترفين الذين يتخصصون ويصنعون مكانتهم الخاصة في السوق.

بالنظر إلى رحلتك — من مدرّس إلى بطل، ثم مستشار، وقائدٍ في جمعية القهوة المختصة — ما الإنجاز الذي يمنحك أكبر قدرٍ من الرضا؟ وما الذي يدفعك للاستمرار؟

الحياة هي تطوّر مستمر. بالنسبة لي، هذا هو التعريف الحقيقي للعيش. أحيانًا تتأقلم، لكن في كثيرٍ من الأحيان عليك أن تتطوّر — وهذا هو مبدئي. الأمر لا يتعلّق بالسعي وراء سعادةٍ لا تُنال أبدًا، بل يتعلق بالجهد الدائم للتحسّن، وجمع المزيد من الخبرات في كل ما تقوم به. علّمني والدي أن أبذل قصارى جهدي دائمًا، لكي أستمتع بالرحلة، سواء وصلتُ إلى القمة أم لا. فالنجاح هو مجرد قمة جبلٍ جليدي بُني على الهزائم والإحباط وخيبات الأمل والكفاح والضحك والحماسة، وغير ذلك من المشاعر. من الخارج، لا يرى الناس سوى الوجهة؛ ولا يرون ما يحدث أثناء الرحلة. بالنسبة لي، كل محطة — إيجابية كانت أم سلبية — كانت خبرة ساعدتني على النضج والنمو كإنسان. وهذا هو النجاح الحقيقي. ولهذا السبب، لا أملك «إنجازًا واحدًا» هو الأكثر إرضاءً؛ بل هو مجموع كل تلك المحطات التي تجعلني شخصًا أفضل.

ما نصيحتك للشباب الذين يحلمون بأن يسيروا على خُطاك في صناعةٍ عالمية تنافسية بهذا القدر؟

لا تتخلَّ عن شيء تؤمن به، ولكن قبل كل شيء: آمن بنفسك. لا وجود للأبطال الخارقين ولا للمعلمين المعصومين؛ هناك فقط أناسٌ يقدّمون أقصى ما لديهم للوصول إلى أهدافهم. حدِّد هدفًا، ثم اعمل خطوةً بخطوة لتحقيقه. وإذا صنعتَ محطاتٍ وسيطة على الطريق، فسيبدو الأمر أقل استحالةً بكثير.

Spread the love
نشر في :
WhatsApp Icon