
مركز دبي للقهوة: سلاسل التوريد والرسوم الجمركية تهدد استقرار تجارة القهوة
دبي، 15 سبتمبر 2025 (قهوة ورلد) – تعيش القهوة، ثاني أكثر السلع تداولًا بعد النفط وأحد أهم رموز الثقافة العالمية، مرحلة دقيقة من تاريخها، حيث لم تعد المخاطر المناخية وحدها هي ما يهدد مستقبلها، بل انضمت إليها أزمات متشابكة تتعلق بسلاسل التوريد العالمية والرسوم الجمركية التي باتت تؤثر على الأسعار والإمدادات بشكل مباشر. وفي تقرير حديث أصدره مركز دبي للقهوة التابع لمركز دبي للسلع المتعددة ضمن سلسلة مستقبل التجارة الزراعية، جاء التحذير واضحًا: إذا لم تُعالج هذه الضغوط سريعًا، فإن تجارة القهوة العالمية قد تدخل دوامة من الاضطرابات المستمرة، تنعكس آثارها على المزارعين والمستهلكين على حد سواء.
منذ عقود، شكلت القهوة سلعة مثالية للتجارة الدولية بفضل قدرتها على التخزين والنقل عبر مسافات طويلة، لكن هذه الميزة التقليدية لم تعد كافية أمام واقع اقتصادي وسياسي متقلب. فقد شهد العالم خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا حادًا في تكاليف الشحن نتيجة أزمات سلاسل الإمداد، إلى جانب اضطرابات جيوسياسية في ممرات بحرية رئيسية مثل البحر الأحمر وقناة بنما. وبحسب التقرير، فإن أي ارتفاع في تكاليف النقل بنسبة 1% ينعكس مضاعفًا على أسعار القهوة عالميًا لفترات قد تمتد عدة أشهر، ما يجعل من هذه السلعة الحساسة عرضة لدوامات تقلب يصعب السيطرة عليها.
تتعمق الأزمة أكثر مع السياسات التجارية الجديدة، إذ فرضت الولايات المتحدة مؤخرًا رسومًا جمركية تصل إلى 50% على واردات القهوة القادمة من البرازيل، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في السوق. صحيح أن الإجراء قد يمنح المستهلك الأمريكي بعض المكاسب المؤقتة من خلال تعزيز المنتجات المحلية أو البديلة، لكنه في المقابل يضرب ثقة المستثمرين ويزيد من حالة عدم اليقين في أكبر دولة مصدرة للقهوة على مستوى العالم. فالمزارعون البرازيليون الذين يعتمدون بشكل كبير على الصادرات وجدوا أنفسهم أمام سوق مضطرب لا يمكن التنبؤ بمساره، ما يهدد بدفعهم إلى خفض الإنتاج أو البحث عن أسواق بديلة غير مستقرة هي الأخرى.
يقول مايك باتلر، المدير المساعد لقطاع القهوة في مركز دبي للسلع المتعددة: “المشترون الكبار لديهم دائمًا هامش لتخزين القهوة بكميات ضخمة لحماية أنفسهم من تقلبات الأسعار، لكن هذه الاستراتيجية غير متاحة للجميع. المزارعون الصغار، والمحامص المتخصصة في القهوة المختصة، يظلون الأكثر عرضة للأزمات، لأنهم لا يملكون رفاهية التخزين طويل الأمد.”
ويشير التقرير إلى أن الأزمة لم تعد مقتصرة على الرسوم والشحن فحسب، بل امتدت إلى آليات التسعير ذاتها. فقد أصبح الاعتماد التقليدي على مؤشرات البورصات العالمية مثل بورصة إنتركونتننتال (ICE) غير قادر على عكس الواقع الفعلي للسوق. ففي حين تسجل أسعار العقود الآجلة تراجعًا، تبقى أسعار القهوة المختصة مرتفعة، ما يضع المحامص الصغيرة والمتوسطة تحت ضغط متزايد ويحد من قدرتها على المنافسة. ويصف غارفيلد كير، رئيس جمعية القهوة المختصة ومؤسس مقهى “موكا 1450” في دبي، الوضع بقوله: “تسعير البورصة أصبح أقرب إلى المضاربة، وهو لا يعكس القيمة الحقيقية للقهوة ذات الجودة العالية.”
إلى جانب هذه التعقيدات، يتغير المشهد الاستهلاكي العالمي بسرعة. فالدول الآسيوية مثل الصين واليابان والفلبين تشهد ارتفاعًا لافتًا في معدلات استهلاك القهوة، خاصة بين جيل الشباب الذي يبحث عن الجودة والتجارب المميزة. هذا النمو المتسارع في الطلب يضاعف من الضغوط على سلاسل التوريد، حيث تصبح أي أزمة في الإنتاج أو النقل قادرة على خلق فجوة فورية بين العرض والطلب في هذه الأسواق الناشئة.
وفي مواجهة هذا المشهد المليء بالتحديات، يبرز دور دبي باعتبارها مركزًا محوريًا لإعادة التوازن. فقد أسس مركز دبي للقهوة نموذجًا مبتكرًا يقوم على توفير خدمات متكاملة تشمل التخزين والتحميص والتعبئة والنقل بنظام “الدفع حسب الاستخدام”، وهو ما يمنح المنتجين الصغار والمزارعين فرصة للوصول إلى الأسواق العالمية بأقل التكاليف. كما أن موقع دبي الاستراتيجي في قلب شبكة التجارة العالمية يجعلها جسرًا طبيعيًا بين إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ما يسمح بامتصاص الصدمات والحفاظ على تدفقات تجارية أكثر استقرارًا.
رغم ذلك، يؤكد التقرير أن التوقعات بارتفاع الإنتاج العالمي إلى مستوى قياسي يبلغ 178.7 مليون كيس في موسم 2025/26 لا تعني بالضرورة أن السوق سيكون أكثر أمانًا. فإذا استمرت الرسوم الجمركية والاضطرابات اللوجستية، فإن هذه الزيادة قد تضيع بين تقلبات الأسعار وانهيارات العرض. والنتيجة المباشرة ستكون انعكاسًا قاسيًا على أكثر من 25 مليون مزارع صغير يشكلون العمود الفقري لإنتاج القهوة عالميًا.
يخلص تقرير مركز دبي للقهوة إلى أن تجارة القهوة تقف اليوم على مفترق طرق. فإما أن يتحقق تعاون دولي يعيد صياغة أنظمة التسعير ويدعم المزارعين ويستثمر في البنية التحتية لسلاسل التوريد، أو أن تدخل الصناعة في مرحلة من الاضطرابات المستمرة التي تهدد مكانتها كسلعة عالمية جامعة بين الشعوب والثقافات. فالقهوة، التي طالما مثلت رمزًا للالتقاء والتبادل، قد تتحول إلى مرآة لهشاشة النظام التجاري العالمي إذا لم يتخذ اللاعبون الرئيسيون خطوات سريعة وجذرية لحماية مستقبلها.