
مزارعو القهوة الإثيوبيون يواجهون أعباء باهظة بسبب لوائح الاتحاد الأوروبي الجديدة
سدّاما، إثيوبيا – قهوة ورلد
بثّت قناة الجزيرة تقريراً مصوّراً عن أثر لوائح مكافحة إزالة الغابات التي أصدرها الاتحاد الأوروبي، والتي من المقرر أن تدخل حيّز التنفيذ في 30 ديسمبر 2025، وذلك بعد أن تم تأجيل التطبيق عدة مرات.
وبحسب التقرير، تترك اللوائح الجديدة للاتحاد الأوروبي طعماً مُرّاً لدى مزارعي القهوة في إثيوبيا، الذين يخشون فقدان واحد من أهم أسواقهم التصديرية. فحوالي ثلث إنتاج البلاد من القهوة يُصدَّر إلى الاتحاد الأوروبي، لكن القوانين الأوروبية الخاصة بمكافحة إزالة الغابات تفرض الآن على كل شحنة تقديم دليل يثبت مصدرها.
صغار المزارعين
بالنسبة لصغار المزارعين، الذين يشكلون العمود الفقري لقطاع القهوة في إثيوبيا، فإن الالتزام بهذه المتطلبات يُعد عبئاً مكلفاً ويستنزف الكثير من الجهد. وقال أحد المنتجين: «حرماننا من دخول السوق الأوروبية عقوبة تشبه العقوبات الاقتصادية، ففي حين أن الصين تدعم شركاتها مالياً لشراء القهوة الإفريقية، نجد أن الاتحاد الأوروبي لا يقدّم شيئاً، بل يزيد الأعباء علينا».
في مواجهة هذه التحديات، بدأ بعض المزارعين بزراعة أشجار الظل وتطبيق ممارسات أكثر استدامة. وأوضح أحدهم: «لم نعد نقطع الأشجار، بل نستخدمها بشكل مستدام لحماية بيئتنا ومحاصيلنا». وقد تم تنظيم برامج تدريبية لمساعدة المزارعين على التكيف، لكن العقبات ما زالت قائمة. وتشير دراسة فرنسية إلى أن استهلاك القهوة في الاتحاد الأوروبي مسؤول عن نحو نصف إزالة الغابات المرتبطة بالقهوة عالمياً، ما جعل مسألة تتبع مصدر الحبوب أولوية بالنسبة للمشرعين الأوروبيين.
ما هي اللوائح الأوروبية الجديدة؟
القوانين التي فرضها الاتحاد الأوروبي، والمعروفة باسم لائحة مكافحة إزالة الغابات (EUDR)، صادق عليها البرلمان الأوروبي في عام 2023، وستدخل حيّز التنفيذ الكامل بين عامي 2025 و2026. وتشمل هذه اللائحة منتجات أساسية مثل القهوة والكاكاو وفول الصويا وزيت النخيل والخشب. وتهدف القوانين إلى التأكد من أن أي منتج يدخل السوق الأوروبية لا يكون قد ساهم في إزالة الغابات أو تدهور النظم البيئية.
وبموجب هذه اللوائح، يتعين على المستوردين والمصدرين تقديم بيانات دقيقة عن مصدر المنتجات عبر نظام تتبّع ورقمنة خاص، مع تحديد المواقع الجغرافية للمزارع من خلال الخرائط وصور الأقمار الصناعية. ويُطلب من الشركات والمزارعين تقديم ما يُعرف بـ«بيانات العناية الواجبة» التي تضمن الشفافية في سلاسل التوريد.
تحديات إثيوبية
في إثيوبيا، حيث يعمل أكثر من أربعة ملايين مزارع صغير في زراعة القهوة، يبدو الامتثال لتلك اللوائح مهمة شبه مستحيلة من دون دعم واسع. عمليات مسح الأراضي ورسم الخرائط جارية بالفعل، إذ أكد أحد موظفي الاعتماد: «في البداية لم يفهم بعض المزارعين سبب هذه الإجراءات، لكننا أنجزنا حتى الآن 75% من عملية المسح، ونسعى لتسجيل خمسة آلاف مزرعة بنهاية العام». لكن هذا الرقم يبقى ضئيلاً مقارنة بحجم القطاع.
المفوضية الأوروبية أكدت التزامها بتقديم الدعم، لكنها شددت على أن المسؤولية لا تقع على عاتقها وحدها، بل يجب أن تشارك الحكومات المحلية والتعاونيات في تمويل ودعم عملية التحول. ابتداءً من 1 يناير 2026، سيُطلب من كبار المنتجين الالتزام الفوري باللوائح، بينما أُعطي صغار المزارعين مهلة حتى يوليو من العام نفسه. ورغم مطالبات كثيرة بتمديد الفترة، أكد الاتحاد الأوروبي أنه لا يعتزم مراجعة المهل الزمنية.
انعكاسات عالمية
ينظر المراقبون إلى هذه الخطوة باعتبارها سيفاً ذا حدّين. فمن جهة، يمكن أن تعزز الاستدامة وتحد من إزالة الغابات في الدول المنتجة. ومن جهة أخرى، قد تدفع التكاليف الإضافية بعض المزارعين إلى الخروج من السوق أو توجيه صادراتهم إلى أسواق أقل صرامة مثل الصين وبلدان الشرق الأوسط.
إثيوبيا، التي تُعد مهد القهوة وأكبر مُصدر لها في إفريقيا، تجد نفسها اليوم أمام تحدٍّ مصيري: إما التكيف مع المتطلبات الأوروبية المكلفة، أو خسارة منفذها التجاري الأكبر نحو القارة العجوز.