
من بقايا القهوة إلى مزارع الأسماك.. قشور البن تُغذي أسماك البلطي وتدعم الاستزراع المستدام
في خطوة بحثية رائدة من جامعة تشيانغ ماي في تايلاند، كشف فريق علمي عن استخدام جديد لإحدى أكثر بقايا صناعة القهوة وفرة وتجاهلاً: قشور القهوة (Coffee Parchment)، والتي أظهرت قدرة عالية على تعزيز نمو أسماك البلطي النيلي (Oreochromis niloticus) ودعم مناعتها وتحسين صحة أمعائها.
الدراسة، التي نُشرت في مجلة Scientific Reports التابعة لمجموعة Nature، وجدت أن إضافة كميات ضئيلة من قشور القهوة إلى أعلاف الأسماك أسفر عن نتائج بيولوجية إيجابية متعددة، مما يعزز التوجه نحو اقتصاد دائري يُعيد توظيف مخلفات القهوة في قطاعات إنتاجية حيوية كقطاع الاستزراع السمكي.
ما هي قشور القهوة؟
قشور القهوة هي الغلاف الليفي الرقيق الذي يحيط بحبوب القهوة الخضراء ويتم التخلص منه أثناء المعالجة. وهي تمثل نحو 12% من كتلة حبة القهوة وتحتوي على مكونات غنية مثل الألياف، والكافيين، ومركبات البوليفينول. وعلى الرغم من خصائصها الحيوية، يتم التخلص منها عادة كفضلات دون استغلال.
تفاصيل التجربة
أُجريت الدراسة على 300 سمكة بلطي صغيرة تم توزيعها في نظام تربية أسماك باستخدام تقنية البيوفلوك (Biofloc)، وهي تقنية تعتمد على إعادة تدوير المواد العضوية عبر نشاط الميكروبات.
تلقت الأسماك خمس وجبات مختلفة تحتوي على نسب متدرجة من قشور القهوة:
-
0 غ/كغ (مجموعة التحكم)
-
5 غ/كغ
-
10 غ/كغ
-
20 غ/كغ
-
40 غ/كغ
واستمرت فترة التجربة 8 أسابيع، جرى خلالها قياس مؤشرات النمو، والمناعة، والتعبير الجيني، وتركيبة الميكروبيوم المعوي.
أبرز النتائج
تحسين ملحوظ في النمو وكفاءة التغذية
حققت مجموعة CP5 (5 غ/كغ) النتائج الأفضل من حيث:
-
زيادة الوزن النهائي
-
تحسين معامل التحويل الغذائي (FCR)
-
تحفيز التعبير الجيني المرتبط بالنمو مثل هرمون “غريلين” و”جالانين”
وأظهرت تحليلات الانحدار أن الجرعة المثلى لتعزيز النمو تقع ما بين 15.06 – 19.86 غ/كغ من العلف.
دعم الجهاز المناعي
أظهرت نفس المجموعة (CP5) ارتفاعاً واضحاً في:
-
نشاط إنزيم الليزوزايم والبيروكسيداز في المخاط الجلدي والدم
-
التعبير الجيني المرتبط بالمناعة (مثل IL-1β، TNF-α، NFkB، MHC II-α)
كما سجلت أعلى مستوى في نشاط المسار التكميلي البديل (ACH50)، وهو مؤشر رئيسي على قوة الاستجابة المناعية الفطرية.
تعزيز مضادات الأكسدة
سجلت المجموعة نفسها أيضاً أعلى تعبير جيني لمؤشرات مضادة للأكسدة، أبرزها:
-
GPX (الجلوتاثيون بيروكسيداز)
-
Hsp70 (بروتين الصدمة الحرارية)
-
Nrf2 (منظم الإجهاد التأكسدي)
توازن أفضل في الميكروبيوم المعوي
أظهرت تحاليل الميكروبيوم أن مجموعة CP10 (10 غ/كغ) كانت الأكثر توازناً، مع:
-
انخفاض كبير في نسبة البروتيوباكتيريا المرتبطة بالالتهابات
-
زيادة في Cetobacterium، وهي بكتيريا نافعة مرتبطة بإنتاج فيتامين B12
تشير هذه النتائج إلى أن قشور القهوة قد تلعب دوراً شبيهاً بالبروبيوتيك، من خلال دعم التوازن البكتيري وتحسين الهضم.
فرصة لإعادة تدوير المخلفات
ينتج قطاع القهوة العالمي سنوياً ما يقارب 6 ملايين طن من النفايات العضوية. تمثل قشور القهوة نسبة مهمة منها، وغالباً ما يتم التخلص منها بالحرق أو الطمر.
هذه الدراسة تقدم حلاً مزدوج الفائدة:
-
دعم صحة الأسماك وتحسين إنتاجية المزارع
-
تقليل التلوث وإعادة تدوير بقايا القهوة
تكامل مع نظام البيوفلوك
ضمن نظام البيوفلوك، لا تعمل قشور القهوة كمجرد مكون غذائي، بل أيضاً كمصدر للكربون يُحفز نمو الميكروبات المفيدة داخل الحوض، ويُسهم في إزالة النيتروجين وتحسين جودة المياه.
ماذا بعد؟
يحذر الباحثون من تعميم النتائج بشكل مباشر، حيث أُجريت الدراسة في بيئة خاضعة للرقابة. ويوصون بإجراء:
-
اختبارات ميدانية على نطاق تجاري
-
تجارب لفترات أطول
-
اختبارات مقاومة للأمراض عبر التحدي المرضي المباشر
كما يشيرون إلى الحاجة لفهم آليات التأثير بشكل أعمق، خاصة فيما يتعلق بالتأثير الجزيئي والمناعي طويل الأمد.
الخلاصة
تُظهر هذه الدراسة أن قشور القهوة، التي طالما اعتُبرت نفايات، يمكن أن تتحول إلى عنصر فعال وصديق للبيئة في أعلاف الأسماك. هي خطوة جديدة تربط بين صناعتين عالميتين — القهوة والاستزراع السمكي — في سبيل بناء نظام غذائي أكثر كفاءة واستدامة.
مرجع الدراسة:

Doan et al., Scientific Reports (2025) 15:25057