
مهرجان قهوة جيا لاي 2025 .. البازلت يوحد ثلاث مناطق احتفاء بمنظومة القهوة الفيتنامية
أختتمت مطلع مايو الجاري فعاليات مهرجان قهوة جيا لاي لعام 2025، بعد يومين متتاليين من الأنشطة الغنية واللقاءات المهنية والتجارب الحسية، احتضنتها ساحة “داي دوآن كيت” وسط مدينة بليكو، تحت شعار “البازلت يعبر ثلاث مناطق”، وهو شعار لم يكن مجرد مجاز بل ترجمة فعلية لوحدة الأرض والناس والقهوة، حيث اجتمعت في هذا الحدث ملامح الشمال والوسط والجنوب الفيتنامي عبر لغة واحدة تُدعى القهوة.
شهد المهرجان مشاركة واسعة من مزارعي البن، وأصحاب المحامص، وخبراء التحميص والاستخلاص، إلى جانب باحثين علميين، وممثلين عن مؤسسات محلية ودولية، فضلًا عن جمهور واسع من محبي القهوة، توافدوا من مختلف أرجاء فيتنام، ومن بلدان بعيدة، يحملهم الشغف بكوب قهوة نقي ينتمي إلى هذه الأرض الحمراء.
امتاز المهرجان هذا العام بتنظيم سلسلة من الأنشطة التفاعلية التي تجاوزت حدود العروض التقنية إلى ملامسة جوهر الثقافة والهوية. من أبرز هذه الأنشطة جلسات التذوق الاحترافية لاختيار أجود العينات، وعروض حية لتحميص القهوة واستخلاصها وفق أساليب علمية مدروسة، ومنافسات جماعية بين فِرَق إعداد القهوة، إلى جانب ندوات مفتوحة للنقاش وتبادل المعارف بين الخبراء المحليين والدوليين، وختامًا بأمسية موسيقية عبقت بأصوات المرتفعات الوسطى وأرواحها.
وخلال أيام المهرجان، جرى تقديم أكثر من أربعين عينة من القهوة خضعت لاختبارات صارمة، وأثبتت تميزها من حيث النكهة والبنية والرائحة، على أيدي مختصين مرموقين في تقييم الجودة، ما يعكس التطور المتسارع الذي تشهده جيا لاي في إنتاج روبوستا راقية ترتقي إلى معايير التخصص.
تقول “نوين ثي نغا”، نائبة مدير تعاونية الخدمات الزراعية في منطقة داك دوا: “مشاركتنا تهدف إلى تقديم قهوة نقية وعالية الجودة للزوار، والحدث لا يقتصر على الترويج بل يشكل منصة للتواصل وتبادل الحكايات مع الضيوف من فيتنام والعالم. نأمل من خلاله إيصال قهوتنا إلى مستوى القهوة المتخصصة”.
أما “نغوين ترونغ مينه”، أحد سكان منطقة تشو برونغ، فقال: “أُعجبت كثيرًا بتنوع نكهات القهوة المنتجة في جيا لاي. كل نوع يحمل طابعًا فريدًا نابعًا من طريقة التحميص أو الاستخلاص، وهذا يجعل تجربة التذوق في هذا الحدث تجربة مبهجة”.
ومن الزوار الأجانب، قالت “جو-لين راينر” القادمة من العاصمة السويدية: “سعدت بوجودي هنا، فقد سبق لي العمل في مزرعة قهوة بجيا لاي، وشاهدت رحلة القهوة من الحبة إلى الفنجان. السكان هنا يضعون قلبهم في كل ما ينتجون، وهذا يظهر في جودة قهوتهم”.
في ختام المهرجان، أعلنت اللجنة المنظمة أسماء الفرق الفائزة في مسابقة إعداد القهوة الجماعية، حيث فاز فريق “الأفاعي الصغيرة” بالمركز الأول، وفريق “سوفار” بالمركز الثاني، وفريق “يو آر” بالمركز الثالث.
كما تم تكريم أفضل عينتين من القهوة، وهما: عينة معالجة بالطريقة الطبيعية من مزرعة “بيان هو”، وعينة معالجة بطريقة العسل من مزرعة “تامبا”.
تقول السيدة “نوين ثي ثانه تام”، مديرة شركة التنظيم ورئيسة اللجنة المشرفة على الحدث، إن المهرجان يستند إلى فلسفة “من المزرعة إلى الفنجان”، وأنه يهدف إلى تعزيز شهرة جيا لاي كمصدر رئيسي للقهوة الفاخرة، قائلة: “نطمح إلى أن يُسهم هذا الحدث في تعزيز التكامل بين المزارعين والمحمصين والجهات العلمية، وإبراز دور الشباب العائدين إلى قراهم لإنتاج القهوة النظيفة المعتمدة على العلوم والتقنيات الحديثة، وترويج منتجاتهم من خلال قنوات التجارة الرقمية”.
وأضافت: “الشباب هم ركيزة المستقبل، حيث يحملون فكرًا متجددًا يجمع بين الزراعة التقليدية والابتكار في التسويق، مما يُعزز من قيمة حبة القهوة ويرفعها إلى مراتب جديدة”.
من جهته، قال الخبير “نوين فان هوا”، رئيس مختبر تقييم الجودة في فيتنام والتابع لمعهد جودة القهوة العالمي: “قمنا بتقييم أكثر من أربعين عينة من إنتاج مزارعي جيا لاي، وستُرشح العينات الأبرز منها للمشاركة في المسابقة القادمة للقهوة المتخصصة. هذه العينات تُظهر تحولًا واضحًا نحو التخصص والتميز”.
كما أكد أن مهرجان هذا العام كان أكثر نضجًا من نسخته الأولى في عام 2023، من حيث تنوع الفعاليات، واتساع المشاركة، وعمق الرسالة.
لا شك أن مهرجان قهوة جيا لاي 2025 رسّخ موقع هذه المقاطعة بوصفها إحدى أبرز المناطق المنتجة لروبوستا عالية الجودة، ليس في فيتنام فحسب، بل على مستوى العالم. ونجح في ربط حلقات الإنتاج، من المزارع إلى المختبر، ومن المتذوق إلى الرائد الزراعي.
وبين النكهات الغنية والنقاشات العميقة، ارتسمت صورة جديدة لمستقبل القهوة في فيتنام: صورة تعبّر عن الجودة، والتكامل، والابتكار، والهوية.