Coffee farm in Haraz - Yemen
Image Credit- Coffee farm in Haraz - Yemen

اليوم العالمي للقهوة: رحلة مشروب يوحّد العالم من اليمن إلى بقاع الأرض

في الأول من أكتوبر من كل عام، يحتفل العالم بـ”اليوم العالمي للقهوة”، وهو مناسبة تتجاوز كونها مجرد فرصة للاستمتاع بفنجان القهوة، لتصبح حدثًا عالميًا يجمع بين الثقافات والأجيال المختلفة. هذا اليوم يعزز مكانة القهوة كعنصر يجمع الناس، ويحتفي بتأثيرها الاجتماعي والاقتصادي، ويكرّم رحلتها الطويلة من أصولها المبهمة إلى أن أصبحت مشروبًا عالميًا محبوبًا لدى الملايين.

بداية القهوة – جدل حول الأصل ونظرة جديدة

هناك جدل كبير حول بداية ظهور شجرة البن، لكن ما يُجمع عليه الخبراء هو أن هذه الشجرة عاشت مع البشر على الأرض منذ أزمنة غابرة، ولا يمكن القول بأن أقدم شجرة قهوة وجدت في إثيوبيا أو اليمن. فبداياتها الحقيقية تعود لعصور طويلة قبل اكتشافها لأول مرة في اليمن، وذلك على يد المتصوف والكيميائي اليمني جمال الدين الشاذلي. القهوة لم تكن زراعة بشرية في بداياتها، بل نبتت بفعل الطبيعة والإرادة الإلهية، حتى جاء اليمن ليُحتفى به كأرض الميلاد الحقيقية لمشروب القهوة.

اليمن لم يكن فقط موطنًا لشجرة البن، بل ظل يحتضن أقدم أشجار البن في العالم، والتي ما زالت تنتج حبوبًا ذات قيمة تاريخية بفضل تعاقب الزمن. ويعود الفضل إلى ميناء المخا اليمني، الذي لعب دورًا أساسيًا في تصدير القهوة إلى أنحاء العالم. بفضل الجودة العالية والنكهات الفريدة، أصبحت القهوة اليمنية مطلبًا عالميًا، ولا سيما صنف “موكا” الذي يميزها.

اليوم العالمي للقهوة – تكريم لصناعة القهوة ومزارعيها

أُنشئ اليوم العالمي للقهوة رسميًا في عام 2015 من قبل المنظمة الدولية للقهوة (ICO) خلال إكسبو ميلانو. هذا الحدث يسلط الضوء على القضايا التي تواجه المزارعين، مثل التحديات الاقتصادية والبيئية، ويدعو لتعزيز ممارسات التجارة العادلة لضمان حصول المزارعين على تعويض عادل عن جهودهم.

لا تقتصر القهوة على كونها مشروبًا يبعث على الاستمتاع، بل هي مصدر رزق لملايين الأشخاص حول العالم، بدءًا من المزارعين في الحقول حتى الباريستا في المقاهي. هذا اليوم يعكس الاعتراف بالمساهمات الكبيرة التي يقدمها هؤلاء الأفراد في جعل القهوة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

بين التراث والحداثة

في الإمارات ودول الخليج، تعتبر القهوة رمزًا للضيافة والتقاليد. القهوة العربية جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية والمناسبات الاجتماعية، حيث تُحضّر بعناية وتضاف إليها توابل مثل الهيل والزعفران. مع ذلك، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الإمارات، وخاصة دبي، مركزًا لتقديم ثقافة القهوة الحديثة من خلال ورش العمل وجلسات التذوق والاحتفالات التي تربط بين التراث والابتكار.

وفي السعودية، تلعب القهوة دورًا محوريًا في الهوية الوطنية. فهي جزء أساسي من الضيافة السعودية، وتعمل المملكة على تعزيز زراعة البن في مناطق مثل جازان، مما يعزز مكانة القهوة العربية محليًا ودوليًا.

اليمن: موطن القهوة الأصلي

رغم النقاش حول أصول شجرة البن، يبقى اليمن هو الأرض التي عرف فيها العالم القهوة وأصدرها للعالم. في القرن السابع عشر، بدأت رحلة تصدير القهوة من ميناء المخا، لتصبح جزءًا من الثقافة العالمية. القهوة اليمنية تتمتع بسمعة عالمية بفضل جودتها ونكهاتها التي لا مثيل لها. وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها اليمن، تظل القهوة رمزًا للأصالة والصمود.

القهوة حول العالم

يختلف الاحتفال باليوم العالمي للقهوة من دولة لأخرى. في البرازيل، يتم تكريم المزارعين المحليين من خلال مهرجانات، بينما تنظم أوروبا فعاليات لتذوق القهوة وورش عمل حول تقنيات تحضيرها. في هولندا، يتم تنظيم لقاءات لعشاق القهوة، بينما تدعم إندونيسيا وفيتنام المزارعين من خلال التركيز على الاستدامة الزراعية.

أما في الولايات المتحدة، فاليوم العالمي للقهوة يربط بين حب القهوة والدعوة إلى ممارسات التجارة العادلة. المقاهي تقدم تجارب مميزة لتذوق القهوة مع التركيز على الإنتاج الأخلاقي والاستدامة.

التحديات والمستقبل

بينما يحتفل العالم بالقهوة، تواجه الصناعة تحديات كبيرة مثل تغير المناخ، الذي من المتوقع أن يقلص المساحات الصالحة لزراعة البن بحلول منتصف القرن. هذا يدفع الصناعة إلى تطوير ممارسات جديدة للحفاظ على الإنتاج مع مراعاة الظروف البيئية المتغيرة.

إضافة إلى التغيرات المناخية، تعاني صناعة القهوة من تقلبات اقتصادية تؤثر بشكل مباشر على دخل المزارعين، خاصة في البلدان النامية. يشدد اليوم العالمي للقهوة على أهمية تعزيز ممارسات التجارة العادلة ودعم صغار المزارعين للحفاظ على صناعة القهوة وضمان استدامتها.

القهوة رمز للوحدة

يحتفل العالم اليوم بالقهوة كمشروب يربط بين الثقافات ويوحد بين الناس، فهي ليست مجرد مشروب بل رمز للتعاون والابتكار. في اليوم العالمي للقهوة، نتذكر كل من ساهم في إيصال هذا المشروب إلى فناجيننا، من المزارعين إلى العاملين في المقاهي، ونعمل على دعم استدامة هذه الصناعة العريقة لضمان استمرارها لأجيال قادمة.

نشر في :