مؤمن عبادي: من رشفة قهوة إلى خبير عالمي في تقييم الجودة
بمشوار حافل في عالم القهوة ومسيرة مميزة امتدت لأكثر من 17 عامًا، يروي لنا مؤمن عبادي، خبير القهوة المصري والاستشاري في قطاع القهوة، والمدرب ومقيم الجودة ومحكم البطولات المعتمد من جمعية القهوة المختصة وباريستا هاسل ومعهد جودة القهوة ومنظمة بطولات العالم للقهوة، قصته التي بدأت برشفة من فنجان قهوة “الركوة” وتكللت بخبرات غنية ومهارات عالية في تقييم الجودة والتحكيم الحسي. بين طموح لا حدود له وشغف قاده إلى تحديات عالمية، نستعرض في هذا الحوار تفاصيل رحلة عبادي التي تعدّ مصدر إلهام لكل من يحلم بالانضمام إلى عالم “كيو جرايدر”.
نود بداية أن نتعرف عليك بشكل أكبر. كيف بدأت رحلتك في عالم القهوة؟ وما الذي ألهمك لتتخصص في مجال تقييم الجودة؟
مرحباً، أنا مؤمن عبادي من مصر، وأعمل في مجال القهوة منذ أكثر من 17 عامًا. بدأت قصتي في سن صغيرة حينما احتسيت أولى رشفاتي من فنجان قهوة الركوة (القهوة التركية) في مقهى كنت أعمل فيه خلال العطلة الصيفية المدرسية. هناك تذوقت القهوة، فغمرتني مشاعر خاصة تجاهها، فأصبحت ليست فقط مشروبي المفضل، بل تحولت إلى هوايتي ومهنتي وحياتي. وهكذا، كُتبت أول فصول رحلتي في عالم البُن.
ثم واصلت مسيرتي في عالم القهوة بالتعلم والعمل في علامات تجارية محلية، بدأت كصانع قهوة ومدرب في مجال الباريستا لصالح إحدى الشركات التجارية الإيطالية في مصر. بعد ذلك، انتقلت إلى السعودية في عام 2016، حيث شرعت في اكتساب المزيد من المعرفة واستكشاف ما يقدمه السوق السعودي من إمكانيات. كانت هذه التجربة فرصة للتعمق أكثر في صناعة القهوة، ومكنتني من المشاركة في العديد من مسابقات القهوة، حيث تعلمت من بعضها، وحصدت ألقابًا في بعضها الآخر بفضل الصبر والجهد والتضحيات.
حدثنا قليلاً وبشكل مبسط عن “كيو جرايدر”. ما الذي يعنيه، وما الذي يقدمه لمن يحصل عليه؟
“كيو جرايدر” هو مصطلح يعني “مقيم جودة”، ويُعنى بتقييم جودة البُن من البذرة إلى الكوب. البرنامج تابع لمعهد جودة البُن ويشمل تدريبات متخصصة تشمل تقييم البُن الأخضر، التحميص، والتقييم والتحليل الحسي، إلى جانب ما يشمله من عوامل تؤثر على الجودة. هذه الشهادة تتيح للحاصل عليها القدرة على تطبيق بروتوكولات تقييم الجودة وتحديد مستوى جودة المحاصيل وفق معايير معهد جودة البُن، مما يجعل تقييمه مرجعًا في بعض المواقف مثل شراء المحاصيل.
ذكرت أن اختبار تجديد رخصة “كيو جرايدر” كان من أصعب التحديات التي واجهتها. ما الذي جعل هذا الاختبار شديد الصعوبة؟ وكيف استعددت له؟
ج: تكمن الصعوبة في التحديات التي تواجه المقيم عند تجديد الرخصة، حيث يُلزم بإجراء اختبار معايرة للتأكد من كفاءته. في بعض الأحيان، يكون من الصعب العثور على مدربين محليين يوفرون هذا النوع من التدريب، مما يجعلنا نسافر إلى دول أخرى لأداء الاختبار. هذا يتطلب منا التكيف مع الأجواء الجديدة وفهم ذائقة مقيمي الجودة المحليين، إذ يلعب عامل الوقت والقدرة على التناغم دورًا كبيرًا في تحقيق النجاح.
بعد سنوات من الخبرة وتجديد الرخصة للمرة الثانية، كيف ترى تطورك الشخصي والمهني كـ”كيو جرايدر”؟
ج: لقد أثرت التجربة بشكل كبير على تطور معرفتي ومهاراتي الوظيفية والحسية. بقاء المهارات حادة يعتمد على البيئة المناسبة التي تتيح ممارسة وتطوير هذه القدرات بشكل مستمر، وإلا فقد تتراجع مع الوقت.
بصفتك خبيرًا في تقييم الجودة وقاضيًا حسيًا، كيف ترى أثر “كيو جرايدر” على سوق القهوة المختصة، خاصةً في أسواق ناشئة كمنطقة الشرق الأوسط وآسيا؟
القيمة الكبرى لمقيمي الجودة تكمن في فهمهم لمتطلبات السوق المحلي وقدرتهم على توفير ما يتناسب مع تفضيلات الذائقة المحلية. هذا الدور يسهم في تعزيز مستوى الجودة وتحقيق الاستدامة في سلسلة القيمة الأولية في قطاع القهوة، من الزراعة إلى الإنتاج.
شاركت في التجديد مع “كيو جرايدر” من مناطق مختلفة في الصين. ما الذي تعلمته من هذه التجربة؟
عندما ينتقل الإنسان إلى بيئة جديدة، يكون كالعمى نسبيًا في البداية، حتى مع اطلاعه المسبق. من خلال هذه التجربة، تعلّمت أهمية بناء لغة مشتركة مع المقيمين الآخرين للوصول إلى أعلى مستويات الدقة في عملية التقييم والتحليل الحسي.
ما هو مستقبل تقييم الجودة والتقييم الحسي في مجال القهوة؟ وكيف تخطط للتكيف مع التطورات المستقبلية؟
ج: أعتقد أن التكنولوجيا ستلعب دورًا كبيرًا في تعزيز عملية تقييم الجودة والتحليل الحسي. مع ظهور أجهزة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل صفات الحبوب، يصبح بالإمكان تحسين دقة التقييم بشكل أكبر.
نصيحتك لمن يرغب في أن يصبح “كيو جرايدر”: ماذا تنصح الأشخاص الذين يرغبون في دخول عالم “كيو جرايدر”، خاصةً مع صعوبة الاختبارات ومتطلبات التجديد؟
أنصح الأشخاص الذين يرغبون في دخول هذا المجال بأن يكون لديهم شغف حقيقي ومعرفة بقيمة تقييم الجودة. الشهادة ليست مجرد هدف، بل هي وسيلة لتقديم قيمة حقيقية في العمل، سواء في تجارة البُن الأخضر أو في معامل الجودة.
كيف أثرت تجربتك كخبير في القهوة ومقيّم جودة على تطور شخصيتك ونظرتك للحياة؟
كانت رحلة القهوة أكثر من مجرد مهنة بالنسبة لي؛ فقد أثّرت في تكوين شخصيتي وفتحت مدارك عقلي. علمتني القهوة السعي والاستمرار في تحقيق الذات، وأثبتت لي أن كل جهد يُبذل سيُثمر ولو بعد حين.