
إعادة تصور مستقبل القهوة – حوار حصري مع غارفيلد كير، رئيس جمعية القهوة المختصة (SCA)
من مزارع القهوة النابضة بالحياة في جامايكا إلى قلب ثورة القهوة المختصة في دبي، رسم غارفيلد كير مسارًا استثنائيًا في عالم القهوة، اتّسم بالرؤية والاحتراف واحترام عميق للقهوة كثقافة وحرفة. باعتباره مؤسس مقهى موكا 1450، البوتيك الأنيق الذي أدخل مفهوم القهوة المختصة إلى دبي للمرة الأولى، ساهم كير بشكل رئيسي في تحويل دولة الإمارات إلى وجهة عالمية لأندر أنواع القهوة وأرقى طرق التحضير والتذوق.
واليوم، بعد توليه رئاسة جمعية القهوة المختصة (SCA)، يبدأ فصل جديد من رحلته المؤثرة. في هذا الحوار الحصري مع “عالم القهوة” ، يفتح غارفيلد كير قلبه للحديث عن رؤيته في تمكين المزارعين، ومستقبل بروتوكول تقييم القيمة في القهوة (بروتوكول تقييم قيمة القهوة (CVA))، والتوازن الدقيق بين العلم والتقاليد وسرد القصص في تحديد قيمة كل فنجان. كما يناقش دور جمعية القهوة المختصة (SCA) المتطور في دعم سلاسل توريد أكثر عدلًا، ومواجهة التحديات العالمية كالتغيّر المناخي والأنظمة التنظيمية، وتسخير التكنولوجيا لبناء صناعة قهوة مستدامة وعادلة، حيث تقاس الجودة ليس فقط بالطعم، بل بعدالة التأثير.
توليت رئاسة جمعية القهوة المختصة (SCA) في لحظة محورية. ما رؤيتك الشخصية لهذا الدور؟
أنا مدفوع برغبة عميقة في العمل الجاد وتحقيق النجاح في كل ما أشرع فيه، مع إدراك تام بأن النجاح لا يُضمن أبدًا. خلال فترة رئاستي، أطمح إلى تحقيق الهدف الأساسي للجمعية: جعل القهوة أفضل. وأسعى لدعم أول تحوّل للجمعية نحو التركيز على المزارعين في بلد المنشأ، وكذلك نحو المستهلكين. كما أطمح لترسيخ بروتوكول تقييم قيمة القهوة (CVA) ليصبح اللغة الموحدة لتقييم القهوة واكتشاف قيمتها، بالإضافة إلى مواصلة نمو جمعية القهوة المختصة (SCA) كمرجعية رائدة عالميًا في مجال القهوة، من خلال التعليم، والبحث، وقدرتها الفريدة على جمع كافة الفاعلين في سلسلة القيمة تحت مظلتها عبر المعارض والفعاليات.
يشهد القطاع تغيّرات سريعة. ما أبرز التحديات التي تركز عليها؟
هناك تحديات جيوسياسية كبيرة، إلى جانب العديد من التحديات الأخرى التي تواجه صناعة القهوة، أبرزها حاليًا الأسعار المرتفعة للغاية في سوق القهوة “C”، والطلب القوي المستمر الذي يتجاوز العرض المتوقع مستقبلاً، والتغيّر المناخي، والتضخم. لقد أجرت جمعية القهوة المختصة (SCA) أبحاثًا معمّقة حول معظم هذه القضايا، مثل مبادرة الاستجابة لأزمة الأسعار، ونواصل العمل لتحسين فهم القطاع واستجابته للمشكلات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية الحرجة، من خلال التعليم، والفعاليات، والتعاون مع المنظمات غير الحكومية، والجوائز التي تحفز على إيجاد الحلول.
دعنا نتحدث عن بروتوكول تقييم القيمة (بروتوكول تقييم قيمة القهوة (CVA)). كيف سيغير طريقة تقييم القهوة؟
أنا متحمس للغاية تجاه بروتوكول تقييم قيمة القهوة (CVA)، كوني مدفوعًا بالبيانات والأدلة العلمية أكثر من الاعتماد على الأعراف أو ما هو مقبول اجتماعيًا. ومع ذلك، تبقى القيم الاجتماعية والتفضيلات الشخصية مهمة جدًا، إذ تشكل نظرة الناس وتقديرهم في مجتمعات أو مناطق معينة. يضيف بروتوكول تقييم قيمة القهوة (CVA) عنصر العلم الدقيق إلى تقييم القهوة من خلال دمج أحدث التطورات في علوم الحواس والقهوة، ما يجعل التقييم متوافقًا مع الأبحاث العلمية للمرة الأولى. والأهم أنه يفصل بين المعايير الموضوعية والذاتية للقهوة ويحدد لكل منها قيمة، ما يساهم في دعم أجندة جمعية القهوة المختصة (SCA) للاستدامة وتوزيع القيمة بشكل عادل على طول سلسلة الإمداد.
ماذا عن انسجام هذا البروتوكول مع المعايير الأخرى مثل بروتوكولات CQI؟
بروتوكول تقييم قيمة القهوة (CVA) هو نهج علمي يستند إلى سنوات من العمل الجاد والبحث. وهو يمثل قفزة كبيرة إلى الأمام، ولهذا أعتقد أن الأفضل للصناعة العالمية هو تبنّي هذا النهج الجديد من الجميع، لأنه يخدم مصالح كل الأطراف. أرى أن معهد جودة القهوة CQI ستكون شريكًا قيّمًا، ومن المرجح أن تعتمد بروتوكول تقييم قيمة القهوة (CVA) في النهاية. ومن المهم أيضًا أن تتوحّد جميع المؤسسات القيادية في صناعة القهوة على صوت واحد لخدمة المجتمع.
ما نوع ردود الفعل التي تلقّيتموها حتى الآن؟
ردود الفعل على بروتوكول تقييم قيمة القهوة (CVA) كانت إيجابية للغاية، وقد أعرب العديد من الخبراء البارزين في القطاع عن أن هذه الخطوة كانت مطلوبة منذ زمن. وبالطبع، هناك من سيحتاج إلى وقت أطول لاعتماد هذا التغيير، فليس من السهل التخلي عن طريقة مألوفة في العمل أصبحت جزءًا من الروتين اليومي. دار بيني وبين صديق محترف في القهوة نقاش حماسي قبل أيام، قال فيه بسخرية إن هذا البروتوكول يمنح درجات أعلى للقهوة القادمة من مزارعين لديهم “قصة” أو “تفصيل مميز” اشتهروا به، وأدهشه أنني وافقته الرأي، وقلت له إن القصة إذا لامست مشاعر الناس وجعلتهم يدفعون أكثر، فإن هذه القيمة المضافة يجب أن تعود للمزارع نفسه، والبروتوكول صُمم لتحقيق ذلك.
خذ على سبيل المثال علامة Fix للشوكولاتة وسارة حمودة، التي أبدعت شوكولاتة دبي الشهيرة التي أصبحت منتجًا عالميًا. هل يمكنك أن تتخيل أن تكون السيدة حمودة، كمبتكرة لهذا المنتج الفريد، منفصلة عن القيمة السوقية التي تولّدت من الإقبال الهائل عليه، وأن تكون الأقل دخلًا في سلسلة القيمة؟ هذا يشبه إلى حد كبير ما يحدث اليوم في صناعة القهوة. تخيل أنها كانت ستحصل على نفس المبلغ القليل سواء نجح المنتج أم لا، بينما يحصد التجار الفوائد كاملة. هل هذا عدل؟
تدور بعض النقاشات حول توجه جمعية القهوة المختصة (SCA) نحو الطابع التجاري. كيف ترد على ذلك؟
سمعت هذه الانتقادات وأتفهمها إلى حدّ ما، لأن التغيير يخيف البعض. حين تكبر المنظمة، وتصبح أكثر شمولًا وتنظيمًا، يشعر البعض بالحنين إلى بداياتها. هذا يحدث في الموسيقى مثلًا، حين يتخلى البعض عن فنان كانوا يحبونه بمجرد أن يصبح عالميًا، ويقولون إنه “باع نفسه”، حتى لو ظل صادقًا لفنه. أرى الأمر شبيهًا بذلك. جمعية القهوة المختصة (SCA) تطورت وأصبحت أكثر تنظيمًا واحترافًا عامًا بعد عام. وعلى سبيل المثال، مجلس الإدارة هذا العام هو الأكثر تميزًا في تاريخ جمعية القهوة المختصة (SCA)، ويضم بعضًا من ألمع العقول في القطاع. هذا النمو يجب ألا يُخشى منه، بل يستحق الإشادة. وأؤمن من خلال تجربتي أن كل من تفاعل مع فريق العمل أو الإدارة أو الأعضاء يدرك تمامًا أن هدفهم الأوحد هو: كيف نجعل القهوة أفضل للجميع؟
ما أبرز الاتجاهات التي تراها تشكّل مستقبل القطاع في عام 2025؟
قد تؤثر الأسعار المرتفعة الحالية في سوق القهوة على الصناعة بطرق سلبية وإيجابية يصعب التنبؤ بها. قد نشهد محاولات من بعض اللاعبين الكبار لتقليل التكاليف وتقليل المخاطر من خلال الاستثمار في بدائل القهوة، لكنني أعتقد أن الشغف العالمي بالقهوة سيكون أقوى من أن يُهزم بهذه البدائل المصنعة. كما أن هذه الأزمة قد تدفع إلى مرحلة جديدة من الابتكار الزراعي واكتشاف أفضل الممارسات الزراعية لمكافحة الأمراض وزيادة الإنتاج.
سنلاحظ أيضًا استمرار التحول نحو المشروبات الباردة والقهوة الجاهزة للشرب، والاستثمار في إنتاج قهوة مختصة فورية بجودة عالية، سواء كانت بودرة أو مركزات سائلة. لكن الأهم هو الميل المتزايد نحو تقديم تجارب حسية مرتبطة بالقهوة وطريقة تقديمها. غالبًا ما أقول إن القهوة هي الموضوع الأبسط والأعقد في آنٍ واحد، والعلامات التجارية التي ستنجح هي تلك التي تستطيع تحويل روتين فنجان الصباح إلى تجربة أعمق دون تعقيد.
ما موقفك من لوائح إزالة الغابات الأوروبية الجديدة وتأثيرها على المنتجين؟
أرى أن أهداف لوائح مكافحة إزالة الغابات الأوروبية لوائح نبيلة وجديرة بالثناء، لكن تنفيذها الحالي قد ينتج عنه رابحون وخاسرون. البلدان التي تعتمد على صغار المزارعين قد تتضرر، حتى لو كانت تفي بمتطلبات هذه اللوائح، لأن التحدي الحقيقي يكمن في إثبات الامتثال عبر عملية توثيق معقدة تتطلبها الجمارك الأوروبية.
وما يزيد الأمر تعقيدًا أن الغرامات، في حال عدم المطابقة، يتحملها المستوردون الذين ليست لهم يد مباشرة في الإنتاج أو التصدير. هذا قد يدفع الشركات إلى تجنب الشراء من دول صغار المنتجين، ما يتعارض تمامًا مع أهداف الاستدامة.
لذلك، أرى أنه من الضروري إعادة النظر بعمق في الآثار غير المقصودة لهذه اللوائح على مختلف الدول المنتجة والمستوردة، وهو ما تسعى جمعية القهوة المختصة (SCA) إلى معالجته من خلال منصات الحوار وجمع آراء جميع الأطراف لضمان عدالة السلسلة.
كيف تقيّم ديناميكية مشهد القهوة في منطقة الخليج؟
كان من المثير للجدل في السابق القول إن الإمارات تُعد من الأسواق الرائدة عالميًا في القهوة المختصة، أما الآن فلم يعد ذلك مثيرًا للدهشة. يمكن للمرء أن يجد هنا أي نوع من أنواع قهوة Cup of Excellence النادرة، والتي قد لا يتمكن الكثيرون من تذوقها طيلة حياتهم. كما أن المقاهي في الإمارات، وبخاصة دبي، تقدّم جميع أساليب التحضير مثل السايفون، والجزوة، وV60، والكيمكس، وهي أمور غير شائعة حتى في أهم عواصم القهوة.
لا تزال هناك فرص واسعة للابتكار في الإمارات ومنطقة الخليج، من خلال تقديم تجارب تفاعلية تعيد تعريف القهوة كقيمة ثقافية وليست مجرد وسيلة للحصول على الكافيين. وعلى الرغم من أن السوق الإماراتي يبدو مشبعًا نسبيًا، إلا أن العلامات التجارية التي تبتكر ستنجح في التميّز. إضافة إلى ذلك، فإن العديد من العلامات العالمية تتخذ من الإمارات نقطة انطلاق إلى أسواق الخليج المجاورة التي لا تزال في طور النمو، ما يبرهن على أن الفرص لا تزال واعدة في المنطقة.
كيف يمكن لجمعية القهوة المختصة (SCA) دعم الدول التاريخية المنتجة للقهوة مثل اليمن؟
نظرًا للوضع السياسي الراهن في اليمن، من الصعب على جمعية القهوة المختصة (SCA) تقديم الدعم المباشر على الأرض في الوقت الحالي. ولكن من خلال بروتوكول تقييم قيمة القهوة (CVA)، ستستفيد دول مثل اليمن، التي تتمتع بتاريخ عريق في إنتاج القهوة المتميزة، من اكتشاف القيمة الحقيقية لمنتجاتها. وستركّز جمعية القهوة المختصة (SCA) في المرحلة المقبلة بشكل أكبر على دعم المزارعين في بلد المنشأ، وعندما تتاح الفرصة للعمل داخل اليمن، ستكون استفادة اليمن كبيرة.
يمتلك اليمن خبرات يمكن أن تخدم العالم بأسره؛ فقد نجح في إنتاج قهوة عالية الجودة باستخدام طرق زراعية مبتكرة تستهلك أقل قدر من المياه في العالم. كما يُعد المزارعون اليمنيون من أكثر المنتجين وعيًا بممارسات الاستدامة المائية، وهي مهارة حيوية في ظل تغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأصناف اليمنية مقاومة للجفاف وتمت دراستها منذ فترة طويلة، ومن المتوقع أن تسهم هذه الدراسات في تطوير ممارسات جديدة بمجرد وصول العالم إلى نقطة تحول حرجة. لهذا فإن أهمية اليمن للقهوة لا تقتصر على الماضي، بل ستزداد مستقبلاً.
كيف تعتزم جمعية القهوة المختصة (SCA) ضمان حصول المزارعين على قيمة عادلة مقابل عملهم؟
بروتوكول تقييم قيمة القهوة (CVA) صُمم لهذا الهدف تحديدًا. ومن التغييرات الجوهرية في نهج جمعية القهوة المختصة (SCA) أن يكون هناك جانب تطويري للبروتوكول يُنفّذ في بلد المنشأ. وسيتضمن ذلك العمل مع المزارعين بشكل مباشر لجعل البروتوكول أداة عملية تُستخدم في إدارة مشاريعهم وفهم لغة وتوقعات المحمّصين والمستوردين، بما يساعدهم على تحقيق أقصى عائد ممكن من جهودهم.
ما دور الابتكار والتكنولوجيا في التصدي لتحديات القطاع؟
التكنولوجيا والابتكار عناصر حاسمة في مواجهة التحديات المذكورة سابقًا. في ظل أهمية البيانات لفهم المشاكل وتحسين الأداء، يُمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحليل وتوزيع المعلومات حول أفضل المناطق لبيع القهوة، وأفضل الممارسات الزراعية الحديثة مثل استخدام الطائرات المسيّرة لتحليل التربة وتحديد وقت ومكان الزراعة.
كذلك تتيح التكنولوجيا تتبّع التوجهات لدى الشركات والمستهلكين بشكل لحظي، وتبادل المعرفة والتطورات العلمية، وربطها بالتطبيق العملي على الفور. وجمعية القهوة المختصة (SCA) مستعدة تمامًا لقيادة هذا التحوّل التكنولوجي، واستغلال الابتكار لتحسين منظومة العمل في قطاع القهوة.
هل من مبادرات تعليمية أو شراكات جديدة يمكن أن نترقبها؟
سيتعين عليكم حضور معرض القهوة في هيوستن لتكتشفوا الجواب! هذه تلميحة صغيرة، لكنها دعوة كبيرة للحضور والمشاركة.
أخيرًا، ما الرسالة التي تود توجيهها لقراء “عالم القهوة” حول مستقبل القهوة؟
تخيلوا عالمًا بلا قهوة. ليس ليوم أو أسبوع أو حتى بضعة أشهر، بل إلى الأبد. لا أعتقد أن أحدًا يرغب في العيش في هذا الكابوس. لذلك، تقع على عاتقنا جميعًا — من المستهلكين إلى العاملين في الصناعة — مسؤولية جعل القهوة عادلة للجميع، ويجب أن يبدأ ذلك أولًا وأخيرًا مع المزارع.
تبدو صناعة القهوة غامضة للمستهلكين، خاصة من ناحية التسعير. معظم الناس لا يرغبون بدفع سعر مرتفع، لأنهم لا يدركون الجهد المبذول من المزارعين لإيصال القهوة إليهم. علينا أن نرفع وعي المستهلكين، ليقدّروا هذا الجهد ويقبلوا دفع سعر عادل.
أدعو الجميع للتفكير الجاد في كيفية تغيير النظام الحالي، سواء في سوق القهوة “C” أو في سوق القهوة المختصة، بحيث نبدأ من المزارع ونتأكد من حصوله على تعويض عادل يجعله يشعر بقيمته. فقط حينها نكون قد اقتربنا من سوق فعّال، خالٍ من الظلم، لا يوجد فيه فائزون كبار وخاسرون دائمون. في النهاية، كلنا نريد أن نجعل القهوة أفضل.