White coffee cup on a saucer over a blue background with a brain outline, symbolizing caffeine’s effect on mental activity.

تايم تفتح ملف العلاقة المعقّدة بين الدماغ والقهوة

دبي – قهوة ورلد

نشرت مجلة “تايم” الأمريكية تحقيقًا موسعًا تحاول من خلاله فهم العلاقة المعقّدة بين القهوة والدماغ، وتحديدًا الرابط بين استهلاك الكافيين والشعور بالقلق. فبينما تمنح القهوة لدى كثيرين طاقةً وتركيزًا، يشير التقرير إلى أن هذا المشروب نفسه قد يثير لدى آخرين تسارعًا في ضربات القلب أو توترًا ذهنيًا غير مبرّر.

خلال 15 إلى 45 دقيقة من تناول كوب القهوة، ينتقل الكافيين عبر مجرى الدم إلى الدماغ، حيث يعطّل مستقبلات الأدينوزين المسؤولة عن الشعور بالهدوء والنعاس. هذا التعطيل يؤدي إلى إفراز الدوبامين والنورإبينفرين، وهما ناقلان عصبيان يمنحان إحساسًا باليقظة وتقليل التعب، كما يوضح الدكتور أمين يحيى، اختصاصي أمراض القلب في مركز سنتارا الصحي في فيرجينيا.

لكن زيادة هذه المواد قد ترفع معدل ضربات القلب وضغط الدم، وتنشّط مناطق في الدماغ مرتبطة بإدراك التهديد، وهي ذاتها المسؤولة عن استجابة الجسم للتوتر، ما يؤدي إلى شعور بالاضطراب الذهني والتململ.

ويضيف الدكتور جون هيغينز من مركز “يو تي هيلث” في هيوستن أنّ تأثير الكافيين يبدأ عصبيًا بالدرجة الأولى، إذ إن تعطيل الأدينوزين يحرر الخلايا العصبية لتعمل بوتيرة أسرع، ما يزيد من نشاط القشرة الدماغية ويؤدي إلى تضيق طفيف في الأوعية الدموية، وهو ما يفسّره البعض على أنه توتر أو قلق.

وتوضح دراسة نُشرت عام 2023 في مجلة Clinical Autonomic Research أنّ حالة التنبيه المفاجئ التي يسببها الكافيين تحاكي أعراض القلق الجسدية بدقة، ما يجعل الفاصل بين “النشاط” و“الانزعاج” ضئيلًا للغاية.

كما يفعّل الكافيين محور الغدة النخاميةالكظرية في الجسم، فيرفع هرموني الكورتيزول والأدرينالين، وهما الهرمونان الرئيسيان في استجابة التوتر.

ويشير كيفن وودز، مدير الأبحاث في Brain.fm، إلى أنّ الإحساس بالتركيز الذي يمنحه الكافيين قد يكون مضللًا، لأن “الفص الجبهي المسؤول عن اتخاذ القرار لا يعمل بكفاءة في حالة الهروب أو المواجهة، فقد نشعر بالانتباه، لكن ذلك لا يعني أننا أكثر تركيزًا فعلاً.”

لماذا يختلف التأثير من شخص لآخر؟

تؤكد المجلة أنّ العوامل الوراثية تلعب دورًا كبيرًا في تحديد استجابة الأفراد للكافيين. فبعض الطفرات الجينية تغيّر طريقة عمل مستقبلات الأدينوزين والدوبامين، فيما تُبطئ طفرات أخرى عملية استقلاب الكافيين في الكبد، ما يجعل تأثيره يدوم لفترة أطول ويسبب القلق لدى بعض الأشخاص. ولهذا “قد يبدو الكوب ذاته مريحًا لشخص، ومزعجًا لآخر”، كما يقول الدكتور هيغينز.

كم يُعدّ كثيرًا من القهوة؟

توصي إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بعدم تجاوز 400 ملغ من الكافيين يوميًا، أي ما يعادل كوبين إلى ثلاثة أكواب متوسطة الحجم من القهوة. لكن هذا الحد ليس قاعدة ثابتة، فالتأثير يختلف تبعًا للجينات والحالة الصحية ومستوى التوتر.

ويقول الدكتور أجاي بيلاي، اختصاصي كهرباء القلب في مركز فاكيو الصحي، إن الكافيين قد يرفع ضغط الدم بمقدار 5 إلى 10 ملم زئبقي مؤقتًا، لا سيما لدى من يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو الإرهاق المزمن.

أما من يشعرون بالقلق حتى بعد فنجان واحد، فيُنصَح بأن يقللوا الكمية أو يختاروا قهوة منخفضة الكافيين. ويؤكد الدكتور موهاناكريشنان ساتيامورثي من جامعة تكساس المسيحية أن “الاعتدال والوعي بمقدار الكافيين في المشروبات اليومية هو أفضل أسلوب للوقاية من القلق”.

النوم والهرمونات والتوتر

تلفت المجلة إلى أنّ الحرمان من النوم والتقلبات الهرمونية والضغوط اليومية كلها تزيد من حساسية الجسم للكافيين.

وتوضح الطبيبة سوجول آش أنّ “الجسم المجهد أصلًا يبالغ في استجابته للكافيين”، مشيرةً إلى أن قلة النوم تضعف وظائف الدماغ العليا وتجعل الكافيين يمنح إحساسًا زائفًا باليقظة دون تحسن حقيقي في التركيز. كما تبين أن النساء اللواتي يتناولن موانع الحمل أو الحوامل يستقلبن الكافيين ببطء أكبر.

كيف تستمتع بالقهوة دون قلق؟

تؤكد تايم أن الحل ليس في التوقف عن شرب القهوة، بل في معرفة كيفية التعامل معها. فالاستهلاك المعتدل كوبان إلى ثلاثة يوميًا آمن لمعظم الناس. لكن من الأفضل تجنّب القهوة بعد الظهر للحفاظ على جودة النوم.

وتوصي الدكتورة آش بعدم شرب القهوة على معدة فارغة، لأن الطعام يخفف امتصاص الكافيين ويقلل تأثيره على الهرمونات. كما يُفضَّل تناول القهوة مع الإفطار أو مع الحليب لتفادي ارتفاع الكورتيزول المفاجئ.

أما بالنسبة لطريقة التحضير، فيوضح الدكتور هيغينز أن الفروق بين الإسبريسو، والقهوة المفلترة، والباردة ليست كبيرة من حيث الكافيين، وأن الاعتقاد بأن “الكولد برو” أقوى يعود فقط إلى استخدامه مركزًا دون تخفيف.

ويضيف وودز أن أفضل توقيت لشرب القهوة هو بعد انخفاض مستوى الكورتيزول الطبيعي في منتصف الصباح، أي بعد الساعة التاسعة تقريبًا، لأن ذلك يجعل الكافيين يعمل بانسجام مع الإيقاع الحيوي للجسم.

متى يجب مراجعة الطبيب؟

إذا ترافقت القهوة مع خفقان القلب أو الأرق أو توتر دائم، فربما يكون الوقت قد حان لمراجعة الطبيب. فاستمرار القلق رغم تقليل الكافيين قد يشير إلى اضطرابات أخرى كفرط نشاط الغدة الدرقية أو اضطرابات القلق.

ويختتم الدكتور ساتيامورثي بالقول: “يجب أن يتحدث الأشخاص مع أطبائهم عن استهلاكهم للقهوة، فهي معلومة بسيطة لكنها قد تفسر الكثير من الأعراض.”

وفي النهاية، لا تدعو المجلة إلى التخلي عن القهوة، بل إلى فهم علاقتنا بها. فالكافيين ليس العدو، إنما المفتاح هو التوازن ومعرفة حدود الجسم.

Spread the love
نشر في :
WhatsApp Icon