Site icon عالم القهوة

القصة وراء أيقونة قهوة: رحلة شعار فيكتوريا أردوينو

القصة وراء أيقونة قهوة: رحلة شعار فيكتوريا أردوينو

تخيّل المشهد: إنّه عام 1905، ورجل يُدعى بير تيريزيو أردوينو يجلس في ورشته بمدينة تورينو الإيطالية. كان العالم آنذاك يعجُّ بالتحوّلات: العربات تفسح المجال للسيارات، الكهرباء تضيء المدن، والأحلام تكبر بقدر لم يعرفه البشر من قبل. في لحظة التفاؤل هذه، ابتكر أردوينو شيئاً سيظل حيّاً أكثر من قرن كامل بعده: شعاراً يحكي قصة ثقافة القهوة الإيطالية.

لم يكن الأمر مجرد علامة تجارية تُطبع على آلة وتنتهي القصة، بل كان عملاً فنياً، رسالة حب لتورينو ولأحلام صانعها. وضع أردوينو في تصميمه مول أنطونيليانا، ذاك البرج المميّز الذي يطبع أفق تورينو، ليقول: «هنا نحن، وهنا جذورنا».

كان الشعار لوحة غنية بالتفاصيل: أغصان وزهور تتشابك برقة، شخصيات أسطورية تتراقص بمرح، وفوق الجميع نسر شامخ يبسط جناحيه. لكن المفاجأة الأبهى كانت ظهور شخصية «النصر المجنّح»، متوّجةً بأكاليل الغار وتحمل شريطاً يعلن بفخر: La Victoria Arduino. لقد كان شعاراً جريئاً، بديعاً، وطموحاً بلا اعتذار.

ما يزيد القصة سحراً أن أحداً لا يعرف هوية الفنان الذي صمّم هذه التحفة. اختفى اسمه مع الزمن، لكن ذلك جعله أكثر سحراً، وكأن الشعار لم يعد ملكاً لفرد، بل أصبح انعكاساً للروح الإبداعية الإيطالية التي كانت تتدفّق في شوارع تورينو عند مطلع القرن العشرين.

لم يكن الشعار مجرد جمال بصري؛ بل كان وعداً. ففي كل مرة يظهر فيها النسر، وتلك الزخارف، وتلك «النصر المجنّح»، كان أردوينو يقول: «القهوة ليست فقط لتبقيك يقظاً، إنها تجربة، إنها فن، إنها ثقافة».

ومع مرور العقود، أثبت الشعار أنه قادر على التطوّر دون أن يفقد روحه. ففي بدايات القرن العشرين، عندما كان أسلوب الآرت نوفو يزدهر، تبنّى الشعار خطوطه المتموّجة وزخارفه المترفة. ومع منتصف القرن، حين اتجه العالم إلى البساطة والوضوح، تكيّف الشعار واختصر تفاصيله، لكنه احتفظ بجوهره.

أما اليوم؟ فقد صار الشعار أكثر صفاءً وأناقة، درس في «القليل يعني الكثير». بخطوط نظيفة، واثقة، وقوية بهدوء، ينسجم مع ذوقنا المعاصر في البساطة، بينما يحمل في طيّاته أكثر من مئة عام من التاريخ والمعنى.

اللافت أن هذا الشعار أصبح أكثر من مجرد علامة. فادخل أي مقهى مختص حول العالم، وستجد تلك الهوية البصرية على آلة الإسبريسو، يقرأها المتخصصون فوراً كرمز للجودة يتجاوز اللغة والحدود.

شعار فيكتوريا أردوينو يذكّرنا أن التصميم الجيد ليس لحظة عابرة أو موضة مؤقتة، بل هو ابتكار قادر على النمو والتطوّر مع الحفاظ على قيمه الأساسية. رؤية أردوينو الأصلية — الجمع بين الحرفية الإيطالية والابتكار في عالم القهوة — لا تزال حاضرة في كل نسخة من الشعار.

في عالم سريع التغيّر، تغمره النزعات العابرة، يمنحنا هذا الشعار شعوراً عميقاً بالثبات. لقد صمد أكثر من قرن وما زال معبّراً وملائماً. إنّه دليل على أن الشغف الحقيقي والتصميم المدروس واحترام الحرفية قادرة على صنع ما لا يشيخ.

فكل مرة يشدّ باريستا ذراع آلة فيكتوريا أردوينو ليُعد جرعة إسبريسو، يتّصل مباشرة بذلك الحلم الذي رسمه أردوينو عام 1905 في ورشته بتورينو. إنّه جزء من قصة بدأت برؤية رجل واحد، ثم انتشرت في العالم، فنجاناً وراء الآخر.

وهنا يكمن سحر هذا الشعار: فهو لا يعلّم على منتج فحسب، بل يعلّم على وعدٍ دائم — أن القهوة العظيمة تستحق الفن والابتكار والعناية التي تُسكب في كل فنجان.

Spread the love
Exit mobile version