باحثون: عمر القهوة أكثر من نصف مليون سنة
فنجان القهوة الذي احتسيته هذا الصباح قد تعود جذوره إلى أكثر من 600 ألف عام.
فقد كشفت دراسة جديدة نُشرت في مجلة نيتشر جينيتكس في 15 أبريل 2024 أن نبتة القهوة أرابيكا، وهي النوع الأكثر انتشارًا في العالم، نشأت نتيجة تزاوج طبيعي بين نوعين آخرين من نبات القهوة، أي قبل تدخّل الإنسان بزمنٍ طويل.
وأجرى باحثون من جامعة بوفالو بالتعاون مع علماء من شركة نستله تحليلًا واسعًا للبيانات الجينية لنباتات القهوة من مختلف أنحاء العالم، لبناء شجرة عائلية دقيقة لنبات القهوة أرابيكا. وأظهرت النتائج أن هذا النوع ظهر قبل نحو 600 ألف عام نتيجة تزاوج طبيعي بين نوعي كانيفورا (المعروفة بروبوستا) ويوجينويدس.
وقال عالم الأحياء فيكتور ألبرت، أحد القائمين على الدراسة من جامعة بوفالو: “بمعنى آخر، هذا التزاوج حدث قبل أي تدخّل من الإنسان.”
تعود أصول القهوة أرابيكا البرية إلى المرتفعات الإثيوبية، غير أن اليمن كان أول من قام بتحميصها وتخميرها في القرن الخامس عشر، لتبدأ من هناك قصة القهوة التي غزت العالم.
وفي القرن السابع عشر، تقول الأسطورة إن الراهب الهندي بابا بودن هرّب سبع حبات من القهوة النيئة من اليمن إلى موطنه، لتكون تلك الخطوة الشرارة الأولى لانطلاق زراعة القهوة في العالم.
اليوم، تمثّل القهوة أرابيكا ما بين 60% و70% من إنتاج القهوة العالمي، وتتميّز بنكهتها الناعمة ومذاقها المتوازن، وهي النكهة الأساسية في مشروبات العلامات التجارية الكبرى حول العالم.
أما النسبة المتبقية من السوق فتُشكّلها قهوة الروبوستا، وهي أكثر قوة ومرارة وتنحدر من أحد “أبوين” القهوة أرابيكا.
ولفهم أعمق لأصول هذا النوع، قام العلماء بتحليل الجينومات لأكثر من 30 عيّنة من نبات القهوة أرابيكا، من بينها عيّنة تعود إلى القرن الثامن عشر محفوظة في المتحف الطبيعي في لندن، وهي نفسها التي استخدمها العالم السويدي كارل لينيوس لتسمية النبات رسميًا.
وأظهرت الدراسة أن أعداد نبات القهوة أرابيكا شهدت تقلبات كبيرة على مدى آلاف السنين، حيث ازدهرت خلال الفترات الدافئة والرطبة، وتراجعت خلال فترات الجفاف، ما تسبب في اختناقات سكانية جينية جعلت هذا النوع أقل تنوعًا وأكثر عرضة للأمراض.
اليوم، تعاني القهوة أرابيكا من هشاشة جينية تجعلها عرضة لأمراض مثل صدأ أوراق القهوة، الذي يتسبب بخسائر سنوية بمليارات الدولارات في صناعة القهوة حول العالم. وقد بحث العلماء في التركيبة الجينية لأحد الأصناف المقاومة لهذا المرض، وحددوا أجزاءً من الشيفرة الوراثية يمكن أن تسهم في حماية المحاصيل مستقبلًا.
ويرى فابيان إشيفيريا، مستشار مركز أبحاث وتعليم القهوة في جامعة تكساس أيه آند إم، والذي لم يشارك في الدراسة، أن هذه النتائج تمثل تقدمًا مهمًا لفهم أصل القهوة أرابيكا وسبل حمايتها من التغير المناخي والآفات.
وقال إشيفيريا: “إن تتبع ماضي القهوة أرابيكا يمنحنا مفاتيح الحفاظ على مستقبلها.”
بهذا الاكتشاف، يفتح العلماء نافذة على تاريخ القهوة الممتد لآلاف السنين، ويضعون الأسس لحمايتها من الأخطار الحديثة، حتى تبقى نباتاتها قوية وكؤوسها ممتلئة لأجيالٍ قادمة.