يقدم تقرير تطوير القهوة (CDR) لعام 2022-2023، الذي أصدرته المنظمة الدولية للقهوة (ICO)، استكشافًا مهمًا حول تحول قطاع القهوة العالمي نحو الاقتصاد الدائري. يركز هذا التقرير في نسخته الرابعة على إعادة تصور سلسلة قيمة القهوة، مع التركيز على كفاءة الموارد، وتقليل النفايات، والممارسات الزراعية المتجددة.
يسلط هذا الإصدار الضوء على التحديات والفرص داخل سلسلة قيمة القهوة، بدءًا من الزراعة وصولاً إلى الاستهلاك، موضحًا أن نموذج الاقتصاد الدائري ضروري لضمان استدامة القطاع على المدى الطويل.
المواضيع الرئيسية للتقرير
الحاجة إلى الاقتصاد الدائري في القهوة
يشير التقرير إلى أن نموذج الإنتاج الخطي التقليدي، الذي يعتمد على استخراج الموارد ومعالجتها واستهلاكها ومن ثم التخلص من النفايات، لم يعد يلبي احتياجات قطاع القهوة. ومع تفاقم تأثيرات التغير المناخي وفقدان التنوع البيولوجي وإزالة الغابات وعدم الاستقرار الاقتصادي، أصبح التحول نحو نهج شامل أمراً ضرورياً.
يؤكد التقرير أن الاقتصاد الدائري، الذي يهدف إلى تقليل النفايات وإعادة استخدام المنتجات الثانوية، هو الحل الأكثر جدوى لمستقبل إنتاج القهوة. لا يقتصر هذا النهج على معالجة التحديات البيئية فحسب، بل يسعى أيضًا إلى خلق قيمة جديدة من خلال تقليل النفايات، وخلق فرص عمل، وتعزيز المرونة الاقتصادية.
استغلال الكتلة الحيوية للقهوة
أحد أهم الاكتشافات في التقرير هو الإمكانيات الهائلة في 40 مليون طن من الكتلة الحيوية التي يولدها قطاع القهوة سنويًا. تشمل هذه الكتلة الحيوية القشور، اللب، الجلود الفضية، وبقايا القهوة المستهلكة، والتي غالبًا ما يتم الاستهانة بها. يشير التقرير إلى أن هذه المنتجات الثانوية يمكن إعادة استخدامها في مجالات مثل الطاقة الحيوية، ومستحضرات التجميل، والزراعة، مما يحول النفايات إلى منتجات ذات قيمة ويخلق مصادر دخل جديدة للمزارعين الصغار.
من سلسلة القيمة العالمية إلى الدائرة العالمية للقهوة
يقدم التقرير مفهوم “الدائرة العالمية للقهوة”، والذي يحول سلسلة القيمة التقليدية إلى نظام دائري أكثر استدامة. يتم تحسين كل مرحلة من مراحل إنتاج القهوة، من الزراعة إلى التحميص والتخمير، لتعزيز الاستدامة. على سبيل المثال، يمكن إعادة استخدام بقايا القهوة المستهلكة كسماد، أو وقود حيوي، أو حتى في صناعة مستحضرات التجميل، مما يقلل من النفايات ويعزز كفاءة الموارد.
لكن هذا التحول الدائري يتطلب أكثر من مجرد ابتكارات تكنولوجية، فهو يحتاج إلى تغييرات في السياسات، وتعاون أقوى بين أصحاب المصلحة، واستثمارات في البحث والتطوير.
التحديات في تنفيذ الممارسات الدائرية
رغم الرؤية الواعدة للاقتصاد الدائري، يعترف التقرير بالتحديات الكبيرة التي تواجهه. من أهم هذه التحديات الفجوات المعرفية، الحواجز التنظيمية، والقيود المالية. يفتقر العديد من المزارعين الصغار، خاصة في الدول النامية، إلى الموارد والبنية التحتية اللازمة لاعتماد ممارسات الاقتصاد الدائري. كما أن التفاوت في اللوائح والمعايير المتعلقة بالمنتجات الثانوية والمعايير البيئية يمثل عائقاً أمام التنفيذ على المستوى العالمي.
التوصيات الاستراتيجية والإجراءات
يقدم التقرير عدة توصيات استراتيجية للتغلب على هذه التحديات:
-
التمويل والاستثمار: يجب على الحكومات والمؤسسات المالية إعطاء الأولوية للاستثمارات في مشاريع الاقتصاد الدائري في قطاع القهوة، وخاصة لدعم المزارعين الصغار.
-
المعايير والسياسات العالمية: ينبغي إنشاء إرشادات موحدة لمبادئ الاقتصاد الدائري في القهوة، وتنسيق اللوائح بين الدول لتسهيل تبني الممارسات المستدامة.
-
التعليم والتدريب: سد الفجوات المعرفية أمر ضروري. يجب تطوير برامج تدريبية لتثقيف المزارعين والمصنعين والشركات حول ممارسات الاقتصاد الدائري.
-
زيادة الوعي لدى المستهلكين: توعية المستهلكين بأهمية الاقتصاد الدائري ستحفز تبني الممارسات المستدامة وتشجع الشركات على تنفيذ حلول أكثر خضرة.
دور التكنولوجيا والابتكار
يؤدي الابتكار دورًا مركزيًا في تحقيق الإمكانيات الكامنة للاقتصاد الدائري في القهوة. ومن أهم التقنيات التي سلط التقرير الضوء عليها:
-
تقنيات توفير المياه: يمكن للتقنيات المعالجة للمياه أن تقلل من استهلاك المياه في مرحلة معالجة ما بعد الحصاد، مما يساهم في تقليل التلوث.
-
التعبئة القابلة للتحلل: تطوير مواد تعبئة قابلة للتحلل أو إعادة التدوير بالكامل سيساهم في تقليل النفايات.
-
حلول الطاقة الحيوية: استخدام المنتجات الثانوية للقهوة مثل القشور وبقايا القهوة في إنتاج الطاقة الحيوية يقلل من الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة.
الممارسات الدائرية في تحميص واستهلاك القهوة
يشير التقرير إلى أن عملية تحميص القهوة تولد نفايات كبيرة، مثل “الجلود الفضية” التي يمكن إعادة استخدامها في صناعات مثل المنسوجات ومستحضرات التجميل. كما يدعو التقرير إلى المزيد من الابتكارات لتطوير كبسولات قهوة قابلة للتحلل لتقليل التحديات البيئية المرتبطة بالكبسولات ذات الاستخدام الواحد.
دعوة للعمل
يختتم التقرير بدعوة لجميع الأطراف الفاعلة في سلسلة قيمة القهوة، بدءًا من المزارعين وحتى المستهلكين، للمشاركة في التحول نحو الاقتصاد الدائري. يسعى مركز الاقتصاد الدائري للقهوة (C4CEC) إلى تسهيل الابتكار وتبادل المعرفة بين المشاركين في الصناعة.
هذا التحول ضروري ليس فقط لمواجهة التغير المناخي ونضوب الموارد، ولكنه يوفر أيضًا فرصًا اقتصادية للصناعة للبقاء مزدهرة في مستقبل مستدام.
الخلاصة: نحو الاستدامة والمرونة
يوفر تقرير تطوير القهوة 2022-2023 رؤية شاملة ومتفائلة لمستقبل صناعة القهوة. من خلال دعم الاقتصاد الدائري، يقدم التقرير خارطة طريق واضحة لتقليل النفايات، وخلق فرص اقتصادية جديدة، ومعالجة التحديات البيئية. إن التحول من اقتصاد خطي إلى دائري لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة لضمان استدامة ومرونة صناعة القهوة العالمية.