نشرت مركز التجارة الدولي تقريرًا هامًا عن رحلة رائدة الأعمال الإثيوبية أنشا ياسين، التي قيل إنها تقود ثورة هادئة في صناعة القهوة بالإثيوبية. ونظرًا لأهمية تجربة ورحلة أنشا ياسين، فإننا في عالم القهوة نعيد نشر التقرير لما يحتويه من جوانب قد تلهم وتحفز النساء، ليس فقط في إثيوبيا بل في العالم بأسره. رفع مستوى القهوة الإثيوبية من خلال المعرفة والجودة
في قلب أديس أبابا النابض، تعمل أنشا ياسين على تحويل صناعة القهوة بصمت. بصفتها المديرة التنفيذية والشريكة المالكة لشركة كوكوا تريدنج، كرست حياتها المهنية لرفع مستوى القهوة بالإثيوبية من خلال الجمع بين الخبرة والتدريب الشامل وتحسين فرص الوصول إلى الأسواق.
بدأ شغفها بالقهوة بعيدًا عن العاصمة، في المناطق الريفية بالإثيوبية، حيث عملت جنبًا إلى جنب مع المزارعين المحليين. تقول أنشا: “درست الزراعة في جيمّا وأُرسلت إلى منطقة نائية بعد تخرجي؛ لم يكن هناك كهرباء أو ماء شرب، وكانت الظروف قاسية. لكنني أدركت سريعًا أن القهوة ليست مجرد محصول، بل هي شريان حياة لهذه الأسر.”
مدفوعةً بتلك التجارب المبكرة، قررت أن تُحدث تغييرًا جذريًا في صناعة القهوة من جذورها. كانت مهمتها تمكين المزارعين عبر مساعدتهم على تحقيق إنتاجية أعلى وربطهم مباشرة بالأسواق العالمية.
من الحقل إلى السوق: رؤية لتميز القهوة
تشتهر إثيوبيا، مهد القهوة العربية، بنكهاتها المتنوعة والغنية، إلا أن العديد من المزارعين الصغار يواجهون تحديات الجودة المتفاوتة وفرص الوصول المحدودة للأسواق الدولية. وباعتبارها مقيّمة معتمدة وخبيرة في معالجة القهوة، جعلت أنشا من هدفها سد هذه الفجوة.
تتميز شركة كوكوا تريدنج بكونها من بين القليل من المختبرات في إثيوبيا التي حصلت على شهادة الجودة المرموقة. ومن خلال هذا المختبر، تقدم أنشا خدمات استشارية تربط المنتجين المحليين بالمشترين العالميين. بالتعاون مع التعاونيات والمنظمات غير الحكومية والمصدرين والجهات الحكومية، تعمل على تحسين جودة القهوة وتعزيز تتبعها والامتثال للمعايير الدولية. وتؤكد أنشا: “قهوة بلادنا جميلة، ولكن بدون أساليب الزراعة والمعالجة والحصاد الصحيحة، يمكن أن تتدهور جودتها بسرعة. لهذا السبب نركز على التدريب العملي؛ نتذوق القهوة، ونقدم التغذية الراجعة، ونمكن المزارعين من تحسين إنتاجهم وأسعارهم.”
يمتد التزامها بالتعليم إلى عملها مع مركز التجارة الدولي ضمن برنامج صندوق الثقة الهولندي في إثيوبيا. ومن خلال مبادرة “التحالفات من أجل العمل”، تقوم أنشا بتدريب منتجي القهوة على ممارسات الزراعة المستدامة والمعالجة بعد الحصاد وتحسين الجودة بهدف تحقيق أسعار سوق أفضل. وتوضح: “جودة القهوة الأفضل تعني دخولًا أعلى للمزارعين؛ فعندما يحصلون على دخل أفضل، يمكنهم الاستثمار في مستقبل أسرهم، وإرسال أبنائهم إلى المدرسة، وتحسين ظروف معيشتهم. هذا ما يحفزني حقًا.”
تجاوز الحواجز وبناء الشبكات
على الرغم من خبرتها الواسعة، واجهت أنشا تحديات في صناعة تقليدية يهيمن عليها الرجال. وتقول: “عند زيارتي للمزارع، يثق الرجال في مساعدي أكثر مني لأنهم يعتبرونه رجلاً؛ ويتطلب الأمر وقتًا لكسب ثقتهم، لكن بمجرد أن يروا النتائج، تتغير مواقفهم.”
تتجاوز جهودها لتمكين النساء حدود عملها المباشر، إذ تتبوأ مكانة قيادية في تحالف النساء في صناعة القهوة بإثيوبيا، داعيةً لدعم العاملات اللواتي يقمن بمعظم عمليات الحصاد والفرز ولكنهن يتقاضين أجورًا أقل بكثير من نظرائهن من الرجال. وتؤكد: “يجب أن ندعم بعضنا البعض، ونعزز مهاراتنا، ونضمن أن تحظى النساء في صناعة القهوة بالاعتراف والفرص التي يستحققنها.”
تتطلع أنشا إلى تحويل شركة كوكوا تريدنج إلى مركز للتميز في تعليم القهوة، وليس مجرد شركة استشارية. ومع حصول مختبرها على الشهادة المرموقة، تسعى إلى تدريب الجيل القادم من المتخصصين في القهوة والمصدرين وخبراء الجودة. وتضيف: “كان الاستثمار في المعدات المختبرية المكلفة تحديًا، لكنه استثمار في المستقبل؛ فالمعرفة هي المفتاح لتحقيق الإمكانات الكاملة للقهوة الإثيوبية.”
وبينما تواصل إثيوبيا مواكبة تطورات سوق القهوة العالمية، يعمل قادة مثل أنشا على ضمان أن يكون المنتجون المحليون ليسوا مجرد مشاركين بل منافسين أقوياء على الصعيد الدولي. ومن خلال التدريب المتواصل، والدفاع عن مصالحهم، والسعي الدؤوب لتحقيق الجودة، تسهم أنشا في تشكيل مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا للقهوة الإثيوبية.