دبي – علي الزكري

في عالم الهندسة والتصميم، ثمة من يكتفي برسم الجدران، وثمة من ينسج الحكايات فوق ملامح الفراغ؛ وضيفتنا اليوم، المصممة المبدعة إيليف آيدين شينار، هي من الطراز الذي يحوّل المساحات الصامتة إلى قصائد تتنفس. بصفتها مديرة قسم التصميم لدى مؤسسة بافير، تحمل إيليف في جعبتها تسعة عشر عاماً من الخبرة التي صُقلت بين عراقة التراث وحداثة المعمار، لتخلق توازناً مدهشاً بين المنطق العملي والعاطفة المكانية.

في هذا الحوار، نُبحر معها في كواليس تصميم محمصة ومقهى “جوليث”، لنكتشف كيف استحضرت إرث القهوة بأسلوب معاصر، وكيف تترجم هوية المكان إلى ملمس وضوء وزوايا تمنح الزائر شعوراً بالطمأنينة. انضموا إلينا في هذه الرحلة الملهمة لنكتشف كيف يصبح التصميم جسراً يربط بين حبة القهوة ووجدان الإنسان.

بصفتكِ مديرة قسم التصميم في “بافير” ورائدة في العمارة والتصميم الداخلي، هل يمكنكِ تعريف جمهورنا بمسيرتكِ التي امتدت لنحو عقدين؟ وكيف أهّلتكِ هذه الرحلة لتصميم مساحات تخاطب ذائقة قراء مجلتنا الرفيعة؟

إيليف آيدين: أنا إيليف آيدين شينار، وتعتبر رحلتي في عالم العمارة رحلة تطور مستمر، شملت قطاعات متنوعة من المساحات السكنية والتجارية إلى قطاع الضيافة والمساحات القائمة على “التجربة”. على مر السنين، تحول دوري من مجرد مصممة للديكور الداخلي إلى صانعة للسرديات المكانية الشاملة. إن العمل في بيئات وثقافات متنوعة صقل قدرتي على إيجاد توازن دقيق بين الوضوح المعماري، والعاطفة، والمنطق التشغيلي. اليوم، ينصب تركيزي على خلق بيئات تتردد أصداؤها لدى جمهور يقدر القصدية، والحرفية، والذكاء المكاني.

قهوة ورلد: ما هي الرؤية التصميمية الجوهرية التي تسعين لتحقيقها في جميع مشاريعكم، بدءاً من الفنادق وصولاً إلى المساحات التجارية؟

إيليف آيدين: في “بافير”، نؤمن بأن المساحات يجب أن تتحدث بهدوء وقوة في آن واحد. رؤيتنا تقوم على أولويّة الوضوح المكاني، وصدق المواد، والاستدامة الجمالية التي تتجاوز الصيحات العابرة. هدفنا هو بناء مساحات تدعم السلوك البشري، وترتقي بالطقوس اليومية، وتظل جذابة عاطفياً بمرور الزمن.

قهوة ورلد: تتولى مؤسستكم مجموعة واسعة من الخدمات، من التصميم المعماري إلى المحاكاة البصرية ثلاثية الأبعاد. ما هي المنطقة التي تعتبرينها نقطة قوتكِ الشخصية الكبرى؟

إيليف آيدين: قوتي الحقيقية تكمن في تطوير المفاهيم وسرد القصص مكانياً. أركز على ترجمة هوية العلامة التجارية، وسيكولوجية المستخدم، واحتياجات التشغيل إلى لغة بصرية متماسكة. المرحلة المفهومية الأولى هي الأحب إليّ، حيث تُرسم الاستراتيجية والأجواء. أما الأدوات الرقمية فهي بالنسبة لي وسيلة لإيصال الفكرة بوضوح، وليست غاية للتزيين المبالغ فيه.

قهوة ورلد: بالحديث عن الارتباط الثقافي؛ لكونكِ تنتمين لثقافة ذات تقاليد عريقة في القهوة، كيف أثر فهمكِ الشخصي لطقوس “القهوة التركية” على قراراتك التصميمية في مقهى “جوليث”؟

إيليف آيدين: نشأتُ في ثقافة تُعتبر فيها القهوة لحظة وعي وتواصل اجتماعي، وليست مجرد عادة متسرعة. هذا الإدراك أثر بعمق على تصميم “جوليث”. لكونه محمصة للقهوة المختصة، تطلب المكان تصميماً يحترم الدقة والحرفية. لقد شكلتُ المساحة لتسليط الضوء على رحلة القهوة —من المصدر والتحميص إلى التحضير والتذوق— مما يمنح الزائر فرصة للتفاعل مع الحرفة وسط أجواء من الهدوء والتركيز.

قهوة ورلد: هل هناك عنصر تصميمي محدد أو مادة معينة في “جوليث” تعد تكريماً لبيوت القهوة التقليدية، أو مرتبطة بذكرى خاصة لكِ مع القهوة؟

إيليف آيدين: الإحساس بالمكان في “جوليث” نابع من الانضباط في اختيار المواد والشفافية البصرية. بدلاً من استنساخ المقاهي التاريخية بشكل مباشر، استلهمت التصميم من بيئات القهوة المختصة المعاصرة حيث “وضوح العملية” هو الأساس. ذكرياتي مع القهوة مرتبطة دائماً بمراقبة الحرفة: إيقاع التحضير، وصوت المعدات، والصبر المطلوب. هذه الانطباعات تُرجمت إلى لغة تصميمية يستخدم فيها الضوء والملمس لبروز عملية إعداد القهوة دون أي تشتيت.

قهوة ورلد: كيف اختلف نهج التصميم في مقهى “جوليث” عن مشاريعكِ السكنية أو المشاريع الفندقية الضخمة؟

إيليف آيدين: الفرق جوهري؛ فالتصميم السكني حميمي وداخلي التركيز، بينما المشاريع الفندقية الكبرى تعتمد على أنظمة معيارية واسعة. أما “جوليث” فقد تطلب نهج “الضيافة الدقيقة”، حيث كل قرار مكاني يؤثر مباشرة على إدراك العميل. التحدي كان في دمج كفاءة التشغيل مع الدفء العاطفي في بيئة مدمجة ومعبرة للغاية.

قهوة ورلد: تؤكد شركتكم أن كل عنصر يروي قصة. ما هو أهم عنصر تصميمي اخترتِه في “جوليث” لتعزيز شعور الزائر تجاه القهوة؟

إيليف آيدين: العنصر الأهم هو تناغم المواد وانضباطها. فبدلاً من الاعتماد على الرموز البصرية الصارخة، يتحدث المكان عبر الملمس، والتناسب، والضوء. هذا النهج يعزز هوية “جوليث” كمحمصة تقدر الجودة والتركيز؛ حيث التصميم يدعم القهوة ولا ينافسها.

قهوة ورلد: عند ترتيب أولويات الاستخدام والكفاءة، ما هو القرار التصميمي الذي اتخذتِه لضمان رحلة سلسة للعميل داخل المقهى؟

إيليف آيدين: كان القرار الحاسم هو إنشاء محور بصري ومكاني واضح من المدخل إلى منصة التحضير، يقود العميل بحدسية. صممنا الممرات لتقليل الازدحام مع توفير تجارب جلوس متنوعة: للزيارات القصيرة، والإقامات الطويلة، والمناطق الهادئة، مما يمنح تجربة طبيعية وفعالة.

قهوة ورلد: بصفتكِ امرأة تقود قسم التصميم في قطاع يجمع بين العمارة والإنشاءات، ما هو أكبر تحدٍ واجهتِه؟ وما الذي يلهمكِ للاستمرار؟

إيليف آيدين: التحدي الأكبر هو الحفاظ على نزاهة التصميم وجودته أثناء التعامل مع القيود التقنية والميزانيات. ما يدفعني هو إيماني بأن التصميم الجيد له تأثير ملموس على الرفاهية والثقافة. وبشكل شخصي، كوني ناشطة في إنقاذ القطط، فإن قيم الرحمة والرعاية أنقلها لعملي؛ لذا أحرص أن تكون المساحات التي أصممها لطيفة وشاملة ومراعية، ليس فقط للبشر، بل لكل الكائنات التي تشاركنا المكان.

قهوة ورلد: بناءً على خبرتكِ الطويلة، ما هي النصيحة الجوهرية التي تقدمينها للمصممين الشباب اليوم؟

إيليف آيدين: نصيحتي هي “العمق قبل السرعة”. ابنوا أساسيات قوية، راقبوا كيف يستخدم الناس المساحات فعلياً، وافهموا كواليس التنفيذ والإنشاء بقدر فهمكم للتصميم. التميز البصري يأتي لاحقاً، لكن الصوت التصميمي المؤثر يتطور من خلال الصبر والانضباط والتعاطف.