دبي – قهوة ورلد
يشهد قطاع القهوة المتخصصة تحولاً جذرياً في معالجة ما بعد الحصاد. لقد أدى ظهور “التخمير المشترك” (Co-Fermentation) – وهي ممارسة تتضمن إدخال مواد عضوية غريبة غير مشتقة من حبة القهوة أثناء مرحلة التخمير – إلى خلق فئة جديدة من النكهات. تستكشف هذه المقالة آليات هذه الطريقة، والتحديات التنظيمية المتعلقة بسلامة الأغذية ووضع الملصقات، والنقاش الفلسفي الذي يحدد مستقبل أصالة القهوة.
- 1. تحديد المصطلحات: من التلقيح إلى التخمير المضاف
لفهم الجدل القائم، يجب على المتخصصين في الصناعة أولاً التمييز بين المستويات المختلفة للتدخل في عملية التخمير. غالباً ما تُستخدم المصطلحات بالتبادل، مما يؤدي إلى ارتباك في السوق.
التخمير القياسي: التحلل الميكروبي الطبيعي للصمغ (الموسيلاج) بواسطة الخمائر والبكتيريا المحلية الموجودة في البيئة المحيطة.
التلقيح المُتحكّم به: إدخال سلالات محددة من الخميرة (مثل Saccharomyces أو Lactobacillus) التي تُزرع مخبرياً لتوجيه ملف النكهة نحو الاتساق. يعتبر هذا مقبولاً على نطاق واسع كأفضل ممارسة زراعية.
التخمير المشترك (التخمير المضاف): إضافة مواد عضوية غير مشتقة من القهوة (مثل الفواكه، التوابل، حشيشة الدينار “Hops”، أو الزيوت الأساسية) إلى خزان التخمير. الهدف هو توفير مغذيات محددة (ركائز) للميكروبات لتقوم باستقلابها، مما يخلق مركبات الإسترات والألدهيدات التي ترتبط بالبنية الخلوية لحبة القهوة.
- 2. علم الركائز و”الموستو”
الآلية وراء التخمير المشترك ليست مجرد “تطعيم” بالمعنى التقليدي؛ إنها هندسة استقلابية بيولوجية.
عندما يُدخل المُنتِج ركيزة مثل فاكهة الباشن فروت أو القرفة، فإنه يُدخل سكريات بسيطة وأحماض محددة. تستهلك الثقافة الميكروبية هذه السكريات وتنتج نواتج ثانوية (مركبات نكهة). ونظراً لأن حبة القهوة مسامية وتخضع لتغيرات تناضحية أثناء التخمير، فإن هذه المركبات تخترق الحبة الخضراء.
- دور “الموستو” (Mossto)
تُعد تقنية “الموستو” حاسمة في هذا المجال، ويستخدمها مُبتكرون مثل الكولومبي إدوين نورينا من مزرعة فينكا كامبو هيرموسو.
التعريف: الموستو هو العصارة المتبقية من دفعة تخمير سابقة، وهو غني بالإنزيمات النشطة والميكروبات المتأقلمة.
التطبيق: يقوم المنتجون بزراعة ثقافة البدء هذه ثم يضيفون مكونات ثانوية (مثل حشيشة الدينار “Galaxy Hops” أو الفواكه المجففة). يجادل نورينا بأن هذا لا “يخفي” عيوب القهوة، بل يضخّم الإمكانيات الموجودة مسبقاً.
- 3. الفراغ التنظيمي: مسببات الحساسية ووضع الملصقات
إن النقطة الأكثر إثارة للاحتكاك في التخمير المشترك ليست النكهة، بل السلامة والشرعية. حالياً، لا يواكب الإطار التنظيمي وتيرة الابتكار.
- إدارة الغذاء والدواء (FDA) و”خطوة القتل”
في العديد من الولايات القضائية، تُعامل القهوة الخضراء كمنتج زراعي خام. وتعتبر الجهات التنظيمية عموماً عملية التحميص (التي تتجاوز درجات حرارة عالية) بمثابة “خطوة قتل” مؤكدة لمسببات الأمراض مثل السالمونيلا. ومع ذلك، فإن التحميص لا يحيد بشكل موثوق جميع البروتينات المسببة للحساسية.
المخاطر: إذا قام منتج بتخمير القهوة المشترك باستخدام اللاكتوز أو الصويا أو المكسرات لخلق قوام كريمي ولم يفصح عن ذلك في مستندات التصدير، فإن المستهلك الذي يعاني من حساسية شديدة سيكون عرضة للخطر.
فجوة الملصقات: لا تفرض اللوائح الحالية بالضرورة أن تسرد أكياس “القهوة” مكونات أخرى غير حبة القهوة. وهذا يكسر سلسلة التتبع ويترك المحمّصين غير مدركين للمواد المضافة المستخدمة على مستوى المزرعة.
- 4. الجدل.. الأصالة مقابل التطور
تنقسم الصناعة حالياً إلى معسكرين فلسفيين فيما يتعلق بكيفية تصنيف هذه الأنواع من القهوة.
حجة أنصار الأصالة (التقليديين): يزعم النقاد أن التخمير المشترك يهدد بتجانس القهوة. فإذا تمكن مُنتِج ما من جعل سلالة متواضعة المذاق تشبه نكهات سلالة جيشا (Geisha) باهظة الثمن عن طريق إضافة مستخلصات زهرية أثناء التخمير، فإن هذا يشوّه قيمة المادة الوراثية والتضاريس. ويطالبون بتصنيف هذه الأنواع على أنها “مُطعّمة” أو “مُعالجة بمواد مساعدة” بدلاً من “قهوة متخصصة”.
حجة أنصار الابتكار: يجادل المؤيدون بأن معالجة القهوة تستعير من تقاليد النبيذ والبيرة، حيث تكون الإضافات شائعة. وهم يعتبرون خزان التخمير بمثابة لوحة فنية، ويقولون إنه طالما أن المادة الأساسية هي القهوة، فإن طريقة المعالجة هي مجرد أداة للإبداع والتميز في سوق مشبع.
- 5. الخلاصة.. الطريق إلى الأمام
من غير المرجح أن يختفي التخمير المشترك؛ فالطلب في السوق على النكهات الغريبة والمكثفة والقوية كبير جداً. ومع ذلك، لكي تنضج الصناعة، يجب أن تتبنى الشفافية الجذرية.
- من المرجح أن يتجه مستقبل القهوة الراقية نحو التفرع:
القهوة المتخصصة التقليدية: التي تركز على التضاريس، والوراثة، والمعالجة قليلة التدخل.
القهوة المتخصصة المُهندسة: التي تركز على التخمير المشترك، والتصميم الحسي، والمعالجة الإبداعية.
كلا الفئتين لهما مكانهما، شريطة أن يعرف المستهلك بالضبط ما يحتويه الفنجان.


