فيتنام – قهوة ورلد
تواصل فيتنام ترسيخ حضورها في سوق القهوة العالمي، مستندة إلى مكانتها كثاني أكبر دولة مُصدِّرة للقهوة في العالم، وإلى إرث ثقافي متجذر يمتد لأكثر من قرن ونصف. وفي هذا الإطار، أطلقت البلاد أول مهرجان عالمي مخصص لتراث القهوة، في خطوة تهدف إلى إبراز القهوة الفيتنامية بوصفها منتجًا ثقافيًا واقتصاديًا متكاملًا، وليس مجرد سلعة زراعية للتصدير.
من 21 ديسمبر 2025 وحتى 2 يناير 2026، تستضيف ساحة لام فيين في حي شوان هوونغ بمدينة دا لات النسخة الأولى من «مهرجان تراث القهوة العالمي 2025»، والذي شهد إقبالًا واسعًا من السكان المحليين والزوار من داخل فيتنام وخارجها. ويهدف المهرجان إلى توثيق رحلة القهوة في فيتنام على مدى ما يقرب من قرنين، منذ إدخال زراعتها، مرورًا بالمزارع الأولى في المرتفعات الوسطى، وصولًا إلى تشكّل ثقافة قهوة خاصة باتت جزءًا من الهوية الوطنية.
- منصة للاحتفاء بثقافة القهوة
ينُظم المهرجان من قبل شركة «تي إن آي كينغ كوفي» ذات المسؤولية المحدودة (مدينة هو تشي منه)، وضم فضاءً للعرض شمل 34 جناحًا تعرّف الزوار على منتجات القهوة، والمأكولات، إلى جانب برنامج متكامل من الأنشطة الثقافية والفنية والتجريبية امتد طوال فترة المهرجان.
وتنوّعت الفعاليات بين عروض التحميص والتحضير اليدوي في الموقع، المرتبطة بتجارب ثقافة القهوة العالمية، ومعارض لحبوب القهوة القديمة، إلى جانب تقديم لوحة فنية مصنوعة من حبوب قهوة روبوستا جرى تسجيلها كرقم قياسي في فيتنام، إضافة إلى عرض فنجان قهوة عملاق. وقد شكّلت هذه الفعاليات نقاط جذب لافتة للزوار وعشاق القهوة.
- أرقام قياسية وقيم تراثية
أقرّ تحالف الأرقام القياسية العالمية، بالتعاون مع المركز التابع لجمعية أصحاب الأرقام القياسية في فيتنام، رقمًا قياسيًا يؤكد أن فيتنام تُعد الدولة الأكبر عالميًا في إنتاج وتصدير قهوة الروبوستا من حيث الحجم والإنتاجية. كما جرى توثيق مجموعة من القيم التراثية المرتبطة بفنون تحضير القهوة الفيتنامية، من بينها قهوة الإيديه، والقهوة المصفّاة بالقماش، والقهوة المفلترة التقليدية.
وتتميّز فيتنام بتنوّع أساليب مزج القهوة وتقديمها، حيث تطورت وصفات أصبحت جزءًا من الثقافة اليومية، مثل قهوة البيض والقهوة بالحليب المثلج، والتي تعكس قدرة المجتمع الفيتنامي على الابتكار انطلاقًا من القاعدة التقليدية.
- القهوة والفن… سردية بصرية
ومن أبرز محطات المهرجان عرض العمل الفني «طموح قهوة الروبوستا الفيتنامية»، وهو أول عمل فني يُنجز باستخدام حبوب روبوستا من منطقة بون ما توت في مقاطعة داك لاك، إلى جانب مواد محلية خالصة مثل مسحوق القهوة، والخيش، والخيزران، وأحبار القهوة. واستلهم العمل موضوعه من ثقافة المرتفعات الوسطى، جامعًا بين الفن والهوية الزراعية في تعبير بصري واحد.
- نافذة على ثقافات القهوة العالمية
تشهد أجنحة المهرجان إقبالًا ملحوظًا على المساحات المخصصة لطرق التحضير اليدوي المرتبطة بثقافات القهوة العالمية. وتعرّف الزوار على طريقة «موكا بوت» التي ظهرت في إيطاليا عام 1933، وطريقة «أيروبرس» التي طُوّرت في الولايات المتحدة عام 2005، إضافة إلى طريقة التقطير البارد التي تعود جذورها إلى القرن السابع عشر في هولندا.
وتعتمد طريقة التقطير البارد على تمرير الماء البارد ببطء عبر القهوة لفترات طويلة، ما ينتج مشروبًا أكثر نعومة وأقل حموضة ومرارة مقارنة بالتحضير الساخن. وفي القرن العشرين، انتشرت هذه الطريقة على نطاق واسع في اليابان، حيث ارتبطت بأسلوب تحضير بطيء ودقيق يركز على نقاء النكهة وثباتها.
- القهوة المفلترة… رمز الهوية المحلية
تُعد القهوة المفلترة رمزًا راسخًا لثقافة القهوة في فيتنام منذ القرن التاسع عشر، عندما أُدخلت زراعة القهوة إلى البلاد. ومع مرور الوقت، أصبح المرشح المعدني الصغير أداة أساسية في المنازل والمقاهي، وأسهم في ترسيخ أسلوب تذوّق هادئ ومتأنٍ يرتبط بنكهات قوية ونهاية حلوة، ويعكس روح التأني التي تميّز المجتمع الفيتنامي.
ولا تزال القهوة المفلترة حتى اليوم الطريقة الأكثر انتشارًا في البلاد، ومعبّرًا مباشرًا عن الذائقة المحلية والهوية الوطنية في عالم القهوة.
- القهوة كرحلة إنسانية واقتصادية
ومن خلال استكشاف هذه التجارب المتنوعة، يحصل الزائر على صورة متكاملة عن القهوة الفيتنامية، من جهد المزارعين في الحقول، إلى فنون التحميص والتحضير، وصولًا إلى أكواب تحمل نكهة المكان والزمن، وتختزن في طياتها قصص العمل والذاكرة.
- قطار القهوة… تجربة تراثية فريدة
شكّل «فضاء القهوة على متن القطار – رحلة التراث» في محطة دا لات إحدى أبرز محطات المهرجان، حيث أُعيد إحياء عربة قطار تراثية خُصصت لتجربة القهوة. ونُظّم «قطار قهوة دا لات» بالتعاون بين فرع النقل بالسكك الحديدية في سايغون، وشركة نقل السكك الحديدية المساهمة، وشركة «تي إن آي كينغ كوفي».
وفي هذه التجربة، جمع الزوار بين احتساء القهوة والاستمتاع بمقطوعات موسيقية هادئة تُعزف داخل عربات القطار، في مشهد يمزج بين الذاكرة والتراث والذائقة الفنية.
- نحو تعزيز العلامة الوطنية للقهوة
في عام 2024، بلغت قيمة صادرات القهوة الفيتنامية 5.48 مليارات دولار أمريكي. وخلال النصف الأول من عام 2025، اقتربت قيمة الصادرات من 5.45 مليارات دولار، وهو مستوى يوازي تقريبًا إجمالي صادرات عام 2024. ويُنظر إلى مهرجان تراث القهوة العالمي 2025 بوصفه منصة لدعم تطوير قطاع القهوة وفق نموذج الصناعات الإبداعية، وفتح آفاق جديدة للاستثمار والتعاون والتصدير.
كما يسعى المهرجان إلى جمع خبراء وحرفيين وشركات من مختلف دول العالم لإعادة صياغة مستقبل القهوة الفيتنامية على أسس مستدامة ومبتكرة، بما يعزز مكانة فيتنام كوجهة دولية للقهوة، ويمهّد لمبادرات تعاون عالمية، من بينها تأسيس تحالف للقهوة يربط فيتنام بالأسواق الدولية.
- قهوة من فيتنام والعالم
لم يقتصر المهرجان على عرض أصناف القهوة الفيتنامية، بل شمل أيضًا قهوة من دول منتجة بارزة مثل كولومبيا وإثيوبيا والبرازيل، إلى جانب أصناف عالمية مميزة. وكان من أبرزها قهوة «جيشا» القادمة من منطقة جيشا في إثيوبيا، والتي تُعد من أندر وأغلى أنواع القهوة في العالم، وتتميّز بنكهة معقّدة تجمع بين الحمضيات والروائح الزهرية ولمسات من الياسمين.
- خبرة وشغف متواصل
وقال السيد دو تان ترونغ، مدير التحميص والبحث وتطوير المنتجات في شركة «تي إن آي كينغ كوفي»، إن العمل في مجال تحميص القهوة يتطلب قصة متكاملة تبدأ باختيار الحبوب وتنتهي بفهم أذواق المستهلكين في مختلف المناطق. وأشار إلى أن لكل صنف قهوة خصائصه وتقنياته الخاصة، مؤكدًا أن التعلم في هذا المجال لا يتوقف مهما بلغت سنوات الخبرة.
- القهوة كقيمة تتجاوز الأرقام
وخلال افتتاح المهرجان، أكدت السيدة لي هوانغ دييب ثاو، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة «تي إن آي كينغ كوفي»، أن القهوة موجودة في فيتنام منذ أكثر من 150 عامًا، وأن البلاد تضم اليوم أكثر من 600 ألف هكتار من مزارع القهوة التي تعيل ملايين الأسر. وأوضحت أن القهوة الفيتنامية تُصدَّر إلى أكثر من 100 دولة وإقليم، وتُسهم بمليارات الدولارات في الاقتصاد الوطني.
وأضافت أن قيمة القهوة الفيتنامية لا تكمن في الأرقام وحدها، بل في الهوية وروح العمل الدؤوب والفخر المتجسد في كل حبّة قهوة، مؤكدة أن المهرجان يمثل مسارًا طويل الأمد للحفاظ على هذه القيم والارتقاء بها ضمن المشهد العالمي لصناعة القهوة.


